الاثنين، 16 أغسطس 2010

صَـــبْـــرِ النـَّــبــِـيِّ الــرَّؤوف

الجاديُّ الــْــمَــدُوف فــي صَـــبْـــرِ النـَّــبــِـيِّ الــرَّؤوف
للشيخ: علي ابن عبد الخالق القرني

الحمدُ لله أتــَـمَّ النــِّـعمة َعلى الأمَّة و أكمل لها دِينها، و آتى الحِكـْـمَة َ أهلـَها و تـَـمَّـمَ بـمُحمدٍ مـَـكـَـارمَ الأخلاق كـُـلــَّـها. و أشـهـدُ أنْ لا إله إلا الله وحـدَه لا شريك له شَهادة ً نـَـسْـتـَـظِـلُّ بـظـِـلــِّــها و نـَـحْـيَى و نموتُ عليها و نـَـلــْــقى اللهَ بها. و أشـْـهَــدُ أنَّ مُحـمـدا ً عبدُه و رسولــُـه،

دَعَـا و كـُـل نـَـواحِيْ الأرض ِ مُجْـدِبَة ٌ مُغــْــبَرَّة ٌ فإذا الغبـْـراءُ خـَـضـْـراءُ

أتـَى جُمُوع َ الطـُّـغـْـيان ِ فـفـَـلــَّـها، و لـُـيُوث َ الأوثان ِ فأذلــَّـها، و عُـقــَــدَ الشــِّـرْكِ فـَحَـلــَّها، و دَواعِيَ الفـُـرْقــَــةِ فـَـشـَـلــَّـها، و أحقادَ القلوب فـَـسَـلــَّـها. بـَـشــَّـرَ الأمَّة َ و أنذرها و دَلــَّـها، و سَـقــَـاها بـِـوابــِــل ِ أخلاق ِ القــُـرآن و عـَـلــَّـها، و حَـدَاهـا لـَـعَـلــَّـها تـَـعَضُّ عـَـلــَـيْـها و لـَـعَـلــَّـها، فإنْ حادَتْ فـَوَاها ً لها و منْ لها. صَـلواتُ الله و سلامُه عليه و على آله و أصحابه و أتباعه صلاة ً دائِمَة ً إلى يَوم ِ تـَـضَـعُ كـُـلُّ ذاتِ حَمْـلٍ حَـمـْـلــَـها.

جـــزاهُ الله عنــَّـا كـُـلَّ خـَـيــْـــــر ٍ و لاقــَــتــْـهُ المـَـسَـرَّة ُ و السَّــلامُ
و أسْـكـَـنـَـنا بـصُـحــْــبَـتِهِ جـِـنانا ً تــَــحِــيـَّـة ُ أهـلِـها فيها الــسَّــلامُ

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تــُــقاتِه و لا تموتـُنَّ إلا و أنتم مُسْـلمون"

أمّـا بـعـد،

ريحانة َ الأنوفِ الشــُّــمّ، و خـَـبــِــئــَـة َ الجَـيـْـبِ و الـْـكـُـمّ، دليلــَـنا الهادي في بَـهـِـيْـم ِ الدَّياجـِي، تاجَ الـْـهَامَـة، حُماة َ الدِّين ِ بالـْـيَرَاع ِ و اللــِّـسان ِ و الصَّــمـْــصَـامَة، مَنْ أحْسَبُ أنهم أولئك الخـَـضارمَة...

خضارمة ٌ شـُـمُّ الأنوفِ جـَـهــــابــِــــذ ُ جـَحَاجـِـحَة ٌ بـِـيـْـضُ الوجوه عَنـَـابـِـسُ
بـَـهالـِـيـْـلُ أقـْـمَارٌ قــَـدامـِـيـْـسُ سـُـمَّـحُ جـُـسُـومُـهـُـمُ لـــلمـَـكـْـرُمَـاتِ فهــارسُ
فلو بَلـَغ المـَجـْدُ الـسَّـمـاءَ لأصـْـبـَـحـَـتْ أنـــــامِـلــُهـُـمْ لـلــفـَرْقــَـدَين ِ تـُلامِــــسُ

يا مرحبا ً مرحبا ً يا مرحبا ً بـِـكـُــمُ يا مرحبا ً ذاتِ تبذير ٍ و إسرافِ
و إنْ تـَكـُنْ مرحبا ً إكـثـَارُها سرفٌ فليس إكثارها فـيـكم بإســــرافِ

عـليكـمْ يا أحِـبتــَــنا الســلامُ و أتــْـحَــفـَـكــُـمْ برحمتِهِ السَّــلامُ
و بـَـوَّأكـُـم مـَـسَـاكِـنَ طيِّباتٍ تـَـحِــــيَّــة ُ مَنْ تبـوَّأها ســــــلامُ

فالسلام عليكم و رحمة الله و بركاته،

سلامٌ كعـَـرْفِ الرَّوض صافـَـحَهُ النــَّـدَى
يـُـزَفُّ إلى أهل المكارم و النــَّـدَى
و لا زالَ ما قامَ المُـؤذ ِّنُ للنــِّـداء

حيّاكم الله و بيـَّـاكم، و أبقاكم عوامِلَ رفع ٍ لهذه الأمةِ و أحْياكم،

و حيَّى الـْـحَيا مـنكم وجوها ً إذا انـْـجَـلــَـتْ تـُـعِـيْـدُ ضياءَ الصُّـبح ِ و الليلُ عاكِــرُ
وجــوها ً تـَـجَـلــَّـتْ فِـيْ سَـمَـاواتِ رفـْـعَةٍ كـَـواكِــبُـها أخـْـلاقــُـكــُـمْ و الـْـمَـآثِـرُ

يا رَبِّ حبـِّـبْـنا إلى بَـعْـضِـنا فِـيكَ و جـَـنـِّـبْـنا الرِّيا و البـَـطـَـر
و كـُنْ لـــنـــا الــنورَ الذي نهتدي بضوئه في مُظلماتِ الحُـفـَـرْ

معشر الإخوة،
ليس يَخفى أنَّ عُمومَ أمَّـتِـنا لِعَهـْـدٍ قريبٍ في شـَـتــَـاتْ، أمّةٍ مطـْـعُونةٍ في الظـَّـهْـر أقسى الطـَّـعَـنات، بعضُها يَحْـتمِـلُ الـْـهَـمَّ و جُـلٌّ في سُبَات. هدفٌ لكـُـل رام ٍ، غرَضٌ لكـُـل طاعِـن، أحزانـُها عَويلٌ و بـُـكاء، و أفراحُها تــَـصْـدِيَة ٌ و مـُـكـَاء. إهـْـتــَـبَـلَ العَدُوُّ غـَـيْـبَـتـَها فـنـَـفـَضَ عـَيْبـَـتـَها و أهان شَيـْـبـَـتها، و وَقفَ لها بكلِّ مَـرْصَـدٍ ليَـغـْـتالَ قـُوَّ تــَـها التي تـَـسُـوْدُ العالـَـمَ بها.

كـل ذلك عبرَ وسائلَ خسيسةٍ قذِرَة، تـُـدَمِّـرُ الأخـْـلاقَ فتذرها أشلاءَ مُـفـَـرَّقــَـة.

تبيعُ الدِّينَ بالدنيا و لا تـَـلـْـقى بذا بأسا و قد دُفـِـنـَتْ شهامتـُها و قيل لأمِّـها تـَعْـسا

يـقومُ عليها مُعـْـتـَـلٌّ مأجور، مُخـْـتــَـلٌّ طـُـرْطـُـور، على الخـُـبـْـثِ مأطـُـور، قِــنّ يستطيب الصِّـنْ، يجري مِنَ الخـَـبـَـثِ على نـَـسَـق، و مـِـنَ السـَّــفـَـهِ فِي غـَـسَـقْ.

يـُـمْـلِـيْ و إبْـلِـيسُ لـه وزيرُ إيَّـاهُ يـَـسْـتـَـرْئِي و يـَـسْـتـَـشِـيْرُ

لقيط ُ لقطاءِ الغربِ الأقـْـصَعَ خِـلافَ آيةِ فِـرعونَ مَعَ مُوسى، فِـرْعَـونُ الـْـتـَـقــَـط َ مُوسَى عَـسَى أن يـَـنـْـفـَعَـهُ أو يتخذه ولدا فكان له عدوًّا و حَـزَنا، أما هذا القِــنُّ فالتقطه الغربُ فكان عدوا لدينه و أهله و حـَـزَنا. يـُـصَـلـِّي لقبلته التي يُـصلي إليها، و يخطـُـبُ على الدرجة التي خطب عليها، يقول لهم مُـسْـتـَخـْـذِيا: "إجعلوني سيِّـدا أكن لكم عبدا، و أعينوني بقــُـوَّةٍ أجْعَـلْ بين قومي و بين الفضيلة رَدْمًا و أوسِعُهُم هـَـدْما".

فـرشـَّـحُوهُ لـِـتـَـغـْـريبٍ و تــَـفـْـنِـيـْـدِ
و استنشدوه سـَـفِـيْـه َ النـَّـسْـج ِ مُـضْـطـَـرِبا مُــسْــتـَـغـْـرَبَ الـْـمـَـتـْـن ِ مجهولَ الأسانيدِ

و لولا الشعير ما نـَـهَــقــَـتِ الـْـحَــمِــيْـر!

فيا عزما و حزما و انـــطلاقا إلى نـَيـْـل الوظائف و الحُطام
كـذ ُبَّان ٍ على سَـقـَـطٍ تداعـت تـَـرَنـَّـمُ أو تـُـغـَـرِّدُ بالهُـيـــام

فزادوا الطــِّيـْـنَ بـِلــَّـة و المريضَ عِـلــَّـة، و صَوَّروا التــَّـافِهَ خطيرا و الـْـجَهامَ مَـطِـيرا،

و يأتون المَـناكِـرَ في نـَـشــَــاطٍ و يأتون الصلاة و هم كـُـسالــى
و ما انـْـتـَـسَـبُوا إلى الإسلام إلا لـِـصَـون دمائهم أنْ لا تـُســــالا

فـهـمُ نـَـعْـلُ الذي يعــلوهـــــــمُ و عـــلى مَنْ دونهم فئرانُ غابة

فأفـْـرَزَ هؤلاء لنا عبر وسائلهم جيلا، في عُمُومِه عليلا، يَحْـدُوا مِنْ غير بَـعِـير، و يَسْـبَحُ في غـَـيْـرِ غـَـدِير،

يَـــنـَـامُ إذا حـَـضَـرَ المَـكــْـرُمَات و عِــنـْــدَ الدَّنــَـاءَةِ يـَـسْـتـَـنـْـبـِـهُ

لا يَخطـُـرُ لهم الـْـبَـذلُ للدِّين على بال و لا يدور بخيال، لا يكادُ يَحْـفـَـظ ُ أحدُهم مِنْ كتاب الله إلا "آتِـنا غداءَنا"، و نـَـقـْـشُ خاتــَـمِه "كـُـلوا و اشربوا هنيئا". ما عـَـرَضَ للمسلمين عارضٌ إلا اسْـتـَـنـْـوَقَ جـَـمَـلـُـهُم، و حكى صَوْلــَـة َ الأسَـدِ هــِــرُّهُــم، و احتجُّوا بعَدَم ِ استكمال ضروريّاتهم،

و سَمِعْتَ مِنْ غـَثِّ الكلام و رَثـِّه و قبيحِه باللـَّحـْـن ِ و الإعْـرابِ

مِنْ أمثال "جُحا أولى بلحم ثــَـوره"، و "ما يحتاجه المرءُ في بيته فحرام على مسجده"

ضـَـرُوبا ً بلـَـحْـيَـيْـهِ على عَـظــْـم ِ زَوْرِهِ إذا الـقــومُ هـَـشـُّـوا لـِـلـْـفِـعَـال ِ تـَـقـَـنـَّـعا
إذا ما مشى أو قال قولا تــَــبـَـلــَّـعا

جيلا مضطربا مُـتـَـأنــِّـثا، و استرجلت فيه بعض النساء، فلهجن بالمساواة و التحرير بعقول ٍ أرَقَّ مِنْ قِـطـْـمِـيْر، أوكـَـلـْـنَ البيوتَ للخادمات و هِـمْـنَ على وُجُوهِـهـِـن مُـطـَـالِـبَات، بقيادة السيارة مرَّة، و مُمارسةِ الرِّياضةِ في الأندية أخرى، و أنْ تكونَ الوالية َ و القاضية َ ثالثة، فتـَـرَكـَـتِ المطبخ َ و التــَّــنــُّـور و بدأت في حـَـلــْــقــَـةِ الفراغ ِ تدور، فإذا ما لـَـسَـعَـتـْـها الزَّنابير صاحَتْ: "رِفــْــقا ً بالقوارير"َ!

و زاد الهـَـمَّ و أشـْـجَاه أنَّ رجالـَـهُن أشباه، يُـسايـِـرُونهن و يُجارُون، و يُمسكون لهن الماعون، على حَــدِّ قول "ابن ِ اللــُّـعْـبُون"،

لم يَعُـدْ للرَّجـُـل قـِـيْـمَـــــــة مِـثــْـلـُـهُ مِـثــْـلُ الـْـبَـهـِـيْـمَـــة

مُـتناقضٌ فوضَويّ، تراه يُصْـبـِـحُ مُـصَـلــِّـيا ً صائِـما ثـُم لا يجـِـدُ حَرَجا ً في موالاة الكافرين و مصاحبة الفاسقين و أكل الرِّبا و التحاكم لغير شرع الله بلا حياء. فإذا نوصح رفع عـَـقـِـيْـرَتـَـهُ أنا لا أعمل شيئا يُغـْـضِـبُ الله! يرى نفسَه ولِـيَّ الله و هو أفرغ مِنْ قــَـصَـبْ، و في الحضيض مِنَ الحَسَب، ضعيفُ السَّبـَب، سيِّءُ المـُـنــْـقــَـلــَـب. ذهبـَـتْ علامة ُ رفعِه، و فـُـقِـدَت سَـلامة ُ جمعِه، و مالـَـتْ عِـنـْـدَهُ قــَـواعِـدُ الـْـمـِـلــَّـة، و صارَ إلى جـَـمْـع الـقِـلــَّـة، وَبَالا ً على الأمَّـة

له نـَـحْـوَ الــَـخـَـنا أبْـوابُ عَـطـْــــــــفٍ و بـَـذلٌ فِـيـْـهِ تـَـأكِـيْـدُ الصِّــــــلاتِ

عندها فرح الشامتون بها، و نعاها النـُّـعاة على مَـسْـمَـع مِـنـّا، و قال قائلـُـنا: "كلا، إنها مريضة ٌ مُـشـْـفِــيَـة". فحقق الله أقوالنا و خيـَّـب أقوالـَـهم، و كذب فالـُـهُم، و حـَـلَّ ما عـقدوا، و تــَــبَّـر ما شـَـيَّـدُوا، فاندحروا و انجَحَروا.

ما هُمُ إلا فأرة ٌ في جُـحْـر ضـَـبٍّ خـَـرِبِ أشرقت رَغـْـمَ أنـْـفِـهـِـم شمسُ ربِّـي

فهي أ ُمَّة ٌ مرحومة محفوظة لن يأخذ أعداؤها منها إلا كما يأخذ السيل من الصخرة الصَـمَّـاء،

ترتــدُّ عنها الرِّياحُ الـْـهُـوْجُ خاشعــــــــــة ً و يـَـنثَـنِي كـُـلُّ وَعْـل ٍ و هو كالـْحَـمَـل ِ

دَوَّتْ صَـيْـحَاتُ الإصلاح صاخـَّـة ً في الآذان، فتطايرت الأثـْـقـَـال و انـْـفـَـصَمَتِ الأغـْـلال، و انـْـطـَـلــَـقـَـتْ تـُـمَـيِّـزُ الأذان مِـنَ الـمـُـكا و الـتــَّـصْـدِيَةِ و الـْـهَـذيان. تـُـصْـلِـحُ ما أفسدَ العدُوُّ مِـنْ سِمات، و تـُـحـْـيي ما أمات، و تـُـمـِـيتُ ما أحْـيَى، و تبني ما هدمَ و تهدِم ما بنى، ترفعُ الحَدَث و تدفع الخـَـبَـث، و تـُـؤدِّي الـْـفـَـرْضَ و الـنـَّـفــْــل و تقضي الفائت، و تـَـحِـيـْـصُ الـشـَّـقّ، و تـَـرْتـُـقُ الـْـفــَــتـْـق، و تقولُ جاءَ الحَـقّ.

لم يَـزَلْ فيها عبيرُ الوحي ما حادَ عنه شـَـيْـخٌ أو زلَّ الغلام
أمة ُالإسلام مازال عــــلى نهجـِـها السامي رجالٌ لم يناموا

و الليلُ ولـَّـى و الظــَّـلامُ تـَـبـَـدَّدا و الرَّكـْـبُ يـَـمَّـمَ للهُـدَى
رَكـْـبٌ طـَـوَى دَرْبـًا عـَـلـَى اسْـم ِ الله و الـْـحَـادِي حـَـــدا

ألا أيـها الأغـْــيــــــارُ فـلـتـتــيـقــَّــظـــوا و يـــَـنـْـهَـضَ مِـنكم قـَـاطِـنٌ إثــْـرَ ظاعِن ِ
نـُـثـِـيْـرُ دَفــِــيْـنَ العِـزِّ مِـنْ كـُـلِّ كـَـامـِـن ِ عــَـلـى رَغـْـم خـَـيْـشـوم العدو المـُـشاحِـن ِ
و نـَـسْـمـُو بأخلاق الـقـُرَان ِ و نـَرْتـَجـِـي رداءا ً مِـنَ الـْـعَـلـْـيَـاءِ صـَـافِـي المحاسن ِ
نـُـجَـدِّدُ رَسـْـم الدِّيـن ِ بـَـعْـدَ انـْـدِثــَـــــارهِ و نـَرْفــَـعُ مِـنْ بـُـنـْـيـَـانِـهِ الـْمُـتـطــَـامِـــن ِ
و نــَــرْعـَى ريــاضَ العِـزّ مِن كل قـارَةٍ و نـَـتـْـرُكُ لِـلـْـبَـيْـقـُور مرْعـَى الـدَّواجـِـن ِ

و جـــــــــاء الـربـيـعُ و فـَـجْـرٌ بـَــــــدا سـَـخـِـيُّ الـشـُّـعَـاع ِ عـَـمِـيْـمُ الـْـجَــــــــدا
فـَـكـُـلٌّ عـَـلى ضـَـوئِـهِ زغـْـرَدا

إلى أخلاق القرآن في سيرة و شمائل من خـُـلــُـقــُـهُ القرآن،

فــهــِــيَ الـشـِّـفاءُ لـنا مِـن ما نـُـكـُـابـِـدُهُ و هِـيَ الـسَّــبـِـيـْـلُ إلى جـَـنــَّـاتِ رِضـْـوان ِ

يشربُها القلبُ بكأس السَّـمْـع ِ فـَيـَـنـْـتـَـشِـي مِـنها بــِـغـَـيْـرِ خـَـمْـرِ.

إنها شمسٌ ضاحِـية، و سماءٌ صافية ٌ ضاحِـية، و روضة فوحاءُ زاهية.

روضـة ٌ فـَـوحَــــــاءُ فِـرْدَوْسِــيَّــــــة ٌ تـَــلـِـــــدُ الــــــلــَّـذاتِ آنــا ً بـَـعْــــدَ آن ِ
أتــُـراها مِن حِمَى الفِـردَوس؟ كــــلا هي فـِـرْدَوسٌ بـِـحِـضن ِ الأرض ِ ثانـِي

حـَـبـَـوتُ فيها و أبـَـوْتْ، و عـَـثــَـرْتُ فيها و كـَـبَـوت،

أقسمتُ بالله ربِّ الجـِـنِّ و الناس ِ
إني و إنْ قـَـلَّ حـظـِّـي مِـنْ تـَـمَـثــُّـلِها تـَــبْـلـَى عِـظـَامِـي و ما قـلـْـبي لها ناسِـــي

فـَــمــــِــــنْ نــَـــفــْـح ٍ إلـــــــى عَــرْفٍ و إيـْــــــــمَـــــــــاض ٍ و إكــْـــــلِـــــيــْــــــل ِ
مع رِضـــــَـــابٍ ســــائِـــــغ ٍ طــَـعـْـمُهُ لـــي كــُـــــلَّ وقــــتٍ مِـــــنـْـــهُ كــأسٌ دِهاق
بـالأمس... و الـــزِّريـابُ يـبــدو لـــنـــا لـِـشـَـرَفٍ يـَــــعْـــــلـُـو جَـمِـــيـْعَ الـْــــــمَـرَاق
و اليومَ... ذا الــجَـــادِيُّ يـَـدْنــُـو لـــنـــا مِـثــْـلَ أصِــيـْـل ِ الـشـَّـمْـس ِ فـِـي الائــْـتـِـلاق
مَـنْ لـَمْ يـَـكـُــنْ يـَـنــْـعَـــمُ في روضـــه فــــــــمـــا لـــهُ فــــي شـَــمِـــم ٍ مِــنْ خــَـلاقْ
--------------------------------------------------------------------------------------------------

الجاديُّ ما الجاديّ ؟

الزعفرانُ المنسوبُ إلى الجادِيــَـةِ مِـنْ أرض ِ الـْـبـَـلـْـقــَـاءِ جاديّ،

فـهــو نـبــاتٌ أجـَـلُّ و نـَـفـْـحُـهُ لا يـُـمـَـــلُّ
كـُـلُّ الرَّياحين جُـند ٌ و هـــو الأميرُ الأجَـلُّ

يقول العَـرَبـِـيُّ مـُـشـَـبِّها ً وجوهَ الأبطال في غداة الرَّوع ِ بالجاديّ:

تـَـخــَـالُ جـَـدِيــَّــة َ الأبـْـطـال فـيـهـــــــا غـَـداة َ الـــرَّوع ِ جـَـادِيـًّـا مَـــــــدُوفـــــــا

و جاديُّ هذه الليلة يفوق كل جاديّ و عُودٍ هندي و عنبر ورديّ

حكى آسا ً و نـَـسْـرينا و شـِـيْـحا ً و الرَّياحِـيـْـنا
تـَـضَوَّع َ في نواحيـنا لـِـنـَـنـْـشـُـقَ مِـنه ما شِئنا

إنه الجاديُّ المَـدُوف في صبر النبي الرؤوف عليه الصلاة و السلام.

كـــأنــه ذهــــَـــبٌ مِـنْ فـَـوق ِ أعْـــــمِــــدَة ٍ مـِــنَ الـــزُّمــُــرُّدِ فــِـيْ أوراق ِ كــــَـافــُـور ِ
فـي روضةٍ نـُـصِـبَـتْ أغـْـصَانــُـها و غـَـدا ذيـْـلُ الـصَّـبـَا بـَـيـْنَ مـَـرْفـُوع ٍ و مـَـجـْرُور ِ
قـد جُـمِّـعَــتْ جـَمـْـعَ تـَـصْحِـيْـح ٍ جـَوانـِـبُها و الــمَـاءُ يـُـجْـمَـعُ فِــيْـها جــَـمْـعَ تــَـكـْسِـير ِ
و الرِّيْـحُ قــَـدْ أطـْـلــَـقـَـتْ فِـيـْـها العِـنـَانَ بـِهِ فـالـْـغـُـصْـنُ مـا بــيــنَ تــَـقـْـدِيـم ٍ و تـَأخِـيـْر ِ
و الــظــِّـلُّ مـا بـَـيـْـنَ مـَـمْـدُودٍ و مـَـقــْـصُـور ِ

--------------------------------------------------------------------------------------------------

جاديٌّ يقول،

من لم يكـُـن جاريا ً في سـُـنـَّـةِ الـهادي،
و ما لرَوضـَـتـِـها الـْـغـَـنـَّـا بمرتادِ،
فـذاك زائغ ُ قــَـلـْـبٍ غـَـيْـرُ مُـنـْـقــَـادِ.

إذا الجـِـدارُ أمامَ الشمس ِ ترفـَـعُـهُ فـَـلـَـن تـَرَى نـُـورَها فِـي بَاحَةِ الـدَّار ِ

--------------------------------------------------------------------------------------------------

جاديٌّ يقول،

قــُـرآنـُنا يـَــسْـمُـو بـنـا أنْ نـَستكينَ و نـَرقــُـدا
فـبهِ حـفِـظـنا مَـجْـدَ أمَّـتِـنا فلم يـَذهـَـبْ سُـــدى
هذي الرُّبُوعُ به غـَدَتْ خِصْبا ًو بُلـْـبُـلـُها شَدَى
قـُلْ لـلـذين يـُعـولِمون الفِـكـْرَ عـَولـَمَة الــرَّدى
و يـُـقـلــِّـدون الماردَ الـغــربيّ فِــيــما أفـْسـَـدا
و يُهـَـوِّنون على النـُّفوس سُلوكـَهُ الـمُـتـَـمَـرِّدا
يا ويلكم كيف اتخذتـم في المَـسِـيْـرِ الـمَـرْقــَـدا
يا ثـَـاغِــيا ً يــا أرْمـَـدا
أتـُـحِبُّ أنْ يبقى ظلامَ الليل ِ فـَوقـَـكَ سَـرْمَــدا
عـَـجَـبا ً لِوَهْمِكَ كيف غـطـَّى حِسَّـكَ المُتـَبَلـِّدا
لـتـظـُنَّ أنَّ تقدُّم الإنـســان ِ أنْ يـَـتـَــمَـــرَّدا !
إعْـلـمْ بأنـَّـا لا نــُـريدُ سِوَى الـْعَـقِـيــدةِ مَورِدا

--------------------------------------------------------------------------------------------------

جاديّ يقول،

سُـبُـلُ المعالي في الأنام صِـعـــــــابُ إنْ رُمــْــتـَـهـــا مَـشيا ً فهُنَّ عِقابُ
فمِنَ العـَـزائِـم صُغ ْ جـَـناحَيْ جَـارح ٍ كـَـيْـما تـَطِـيرُ لـَها و أنـتَ عُــقــاب

--------------------------------------------------------------------------------------------------

جاديّ يقول،

يا أهـْـل القرآن، إنّ خـُـلـُـقَ رسول الله صلى الله عليه و سلم القرآن.

و مَنْ تـَـخـَـلــَّـقَ بالقرآن مَـجـَّـدَهُ و أصبحَـتْ نـَـفـْـسُه للناس قرآنا

--------------------------------------------------------------------------------------------------

جاديّ يقول،

بَحْرُ الـمـآسِـي مَا لـَـهُ شــــاطِــــــــــئُ و زورقُ الــــــصَّــبْــر طـريقُ النــَّـجَاة

و الفجْــرُ آتٍ و إنْ طال الدُّجـَـى زمنا و الماءُ يُـرْجى إذا ما اسْـوَدَّتْ السُّـحُـبُ

--------------------------------------------------------------------------------------------------

جاديّ يقول،

الأخلاقَ الأخلاقْ يا أمَّة َ الأخلاق،

هي القــَـطِـرانُ و الأعْــداءُ جَـرْبى و فِــي الــــقــَـطِـران للجَرْبَى شِـفـَاءُ

--------------------------------------------------------------------------------------------------

جادي يقول،

عـارٌ عَـلى أهــــــل الــحَـــفـــائِـــــظِ إنْ رَأوا رُوْغ َ الثــَّـعالِــبِ يَـزْدَرينَ الضَّـيْـغـَما

و مَنْ يـَـبْـغ ِ فِيْ شـَـمْس النـَّـهار غـَـمِـيْـصَة ً فـَذلِـكَ مَـغـْـمُوصٌ و ما هـُوَ غـَامِـصُ

إنـّه ُ شـُـواظ ٌ ثائـِـر، و سَـهْـمٌ عَـائـِـر، و عـُـقــَـابٌ كاسِـر، عـلى مَـنْ يَـسْـخـَـرُ بالشـَّـعَـائِـر و النـَّـبـِـيِّ الطـَّـاهِـر. مِـنْ كـُـلِّ ثــَـاغِـيَـةٍ راغِـيَة، ناهِـقــَــةٍ عَـاوِيَـة، ضـَـابــِـحَـةٍ نـَابــِـحَـة،

مـَـنْ قــَـاءَتِ الأفواهُ مِـنـْـهُ بـِـالـْـبَــــذِي و كـأنــَّـه بــِــدَم ِ الحِـجَامَةِ يـَـغـْـتـَـــــذِي

تـُـريدُ خـَـفـْـضَ الطـُّـهـْـرِ يابْـنَ الـْـخـَـنا؟!

إخـْـسَـأ ألا أيُّـها الجـَـحْـشُ اللـَّــئِـيْـم، و أ ُرْغِـمَ أنـْـفـُـكَ يا أخــْـطــَـلُ، و دَقَّ خـَـياشِـيمَـكَ الجـَـنــْـدَلُ.

إنـّـكَ فِي الطـَّـعْـن عـَـلى الأمِـين ِ، لــَـواهِـنُ الظــَّـهـْـرِ سَـخِـيـْـنُ العـَـيْـن ِ مـُـعْـتــَـرضٌ لِـلـْحَـيْـن ِ بـَـعْـدَ الـْـحَـيْـن ِ.

يا ضـَـبـُـعَ الخـَـلوةِ خِـنزيرَ المَـلا و فِـي المَـلا طعامُـــهُ ما فِـي الـخـَـلا

ماذا عسى يكونُ عَـضُّ نـَـمْـلـة، و ما يكونُ أيضا ً قــَـرْصُ قــَـمْـلــَـة، و وزنُ بــَــقــَّــةٍ بأعْـلـَى الـنــَّـخـْـلــَـة.

يابْـنَ الـدَّهــالــِــيْـزِ و أبـْـنـَـاءَ السِّــكـَـكْ، و يابْنَ "عـَـجـِّــلْ لا يـَـجــِــيْ زوجـِـي يـَـرَكْ"، و ابـْـنَ الـبـَـغايا و الفـِـرَاش ِ الـمـُـشـْــتـَـرَكْ.

لأ ُرْسِـلـَـنـَّـها عـَـلـَـيكَ سـَـبْـعا ً شِـدَادا ً، و ألـْـسِـنـَةٍ حِـدادا ً، و مـَـدَدا ً و مِـدادا ً، و جـَـيْـشَ بـَـيـَان ٍ لا يـَـدَع ُ تِـلادا ً و لا وِهـَـادا ً،

و لأبـْـعَـثــَـنْ مِــنـِّـيْ عَـلـَـيـْـكَ عـَـقارِبـــا ً لـَـدَّاغــَـة ً تـَـعْـــــــــيا عَـلـــى الــرُّقــَّـاء ِ

و أرْجـُـمـُـكــُـمْ بـِـحَـرْفـِـيْ كـُـلَّ عـَــــام ٍ كـَـرَجـْـم النـَّـاس ِ قــَـــبْـرَ أبــِـيْ رِغـَـال ِ

و أرُدُّ أنـْـفَ مَـن ِ ابـــتــغـــانـا مُرْغـَـما مازِلـْتُ فِـيْ الحَرْبِ الـْهـِـزَبْـرَ الضَّـيْغـَما

و قــَـدْ رَمــَــتــْـكـُـمْ عِــلـَـلُ الـــلــَّـكــاع ِ فـــلــمْ يـَـعُــدْ لِـصَـرْفِــكـُـمْ مِـنْ دَاعـــــي

لـَـتــَـأطـُـرَنَّ مَــــــتـْـــنـَـكـُــم أسْــيَــافُ مِـــنْ سَــــاعِــدِي إنــِّــيْ أنـا خـَـفـَّــــافُ

إنْ عـُـــــدتـُـمُ عُـــــدْنـَـا فـَـكــَـمْ أزَلــْـنـا مِـــــنْ ظـَـالِـــــــــم ٍ إنـَّـا إذا نــَـزلـْــنــــا

أشْــفـِــقْ عـَـلـَـى قــَـوسِــكَ لا أراهـــــا أحـْـكـَـمَــها الـْــعـِــلــْـجُ الــــذي بَـرَاهـــا

ما زِدْتَ بـَـيـْـنَ الـخـَـلـْــق ِ عَــنْ نـَـهَّــاق ِ و الصَّـــقـْـرُ لا يَخــْــشَى مِنَ اللــَّــقـْـلاق ِ

ما مـَـوقِــعُ الذ ُّبــابِ مِــنْ ذِيْ نــَــاب

لا تــُــنـْـجـِـسُ الأنهارَ أذيالُ الـكِــلاب

أنتــم خـَــشــَــاشُ الأرض ِ أمَّــا أحْــمَــدُ فـَـهُــوَ السَّــمَــا فـَـمَـنْ يُــطـَـاوِلُ الــسَّــما

أينَ الــنـُّــبَــاحُ و إنْ تــَــكـَـاثــَـرَ أهـْــلـُـهُ مِنْ نـَـيْــل ِ بَــدْر ٍ قــَـدْ سَـما فـَـوقَ السَّــما

فاخـْـسَـأوا رَغـْـمَ أنـْـفـِـكـُـمْ و اسْــمَـعُـوها و لـْـتــَـمُــوتـُـوا بـغـيـْـظِـكـُم يا شـــــواني

لقد رَفعَ اللهُ ذِكـْـرَه "و رَفـَـعْـنا لك"، و أقـْـسَـمَ اللهُ بـِـحَـيَـاتِـهِ "لـَعَـمْـرُك"، و زكـَّـاهُ فِـي (نـُـون ٍ) "و إنــَّــك"،

فمَنْ يـَـصُــدُّ سَـنـَا شـمْس ٍ إذا طـَلـَـعَـــتْ مَنْ يَحْجُـبُ الـْـبَـدْرَ إنْ شـَـقَّ الدُّجَى و بَدا

و الـحَــــقُّ طـَــوْدٌ لا يُحـَـلـْـحَـلُ رُكـْـنـُـه ُ و مُــكــَـــابـَــراتُ الـْـمُبْــطِــلِــيْنَ سَـوافِي

لـو رَجَــمَ النــَّـجْــمَ جـَـمِــيـْـعُ الـــــوَرَى لـــمْ يـَــصِــل ِ الرَّجــْــمُ إلى الـنــَّــجـْــــم ِ

هـَـيْـهَـاتَ فـالـشـَّــمـْــسُ بَـعِــيـْـدٌ مـَـسُّـهـَـا فـَــــلـْـيـَـبْــقَ مَـعْ بـَـنــاتِ وَرْدَانَ الـَـخـَـنـَـا

هـُـوَ اللهُ كـَـــــمَّــــــلَ أوصـــــَــافــَـــــــه ُ و سَــمـــَّــــــاهُ بَـيْـنَ الــوَرَى أحْـــمَــــدا
فـمــــا مُــنــْــقِــصٌ فــَـضْـــلـَـه ُ سَـاخِــرٌ و لـــنْ يــُــحـْــجَــبَ الــنــُّــورُ لــمَّا بَــدا
دِمَــانــا فِـــداهُ و آبــــــــــــــــــاؤنـــــــــا فـما غـَــيْــرُه الـــيَـومَ مِـــنْ مـُـفــْــتــَـدَى

--------------------------------------------------------------------------------------------------

جاديٌّ يقول،

نحن الذين بحُسْن ِالخـُـلـْـق ِ قــَـدْ فـَـتـَحـُـوا أقصى البلادِ و بالقِـسْـطاس ِ ساسُـــوها

إنّ محمدا ً صلى الله عليه و سلم فتح القلوبَ قبل البُلدان، و الأرواحَ قبـْـلَ الأشباح. شهــِـدَ له عُـقــَـلاءُ أعدائه بذلك، يقول ڨولتير لما ذ ُكِـرَ عنده بعض رؤوس المَلاحِدة، قال: "العظماءُ هباء إذا قِـيسُوا بمُحمَّـد، إنهم لا يستحِـقــُّـونَ أنْ يكونوا صانعي أحذيةٍ عند محمد". إيْ و ربِّـي،

كأحمدَ لم تــكــُـن حـَمَـلـَـتْ جـــيــــادٌ و ما حَمَـل العِـتاقُ على الرِّحال ِ
و لا وطِـئ البَسِـيطة و هـــــو حـــافٍ و لا وطِـئ البَسِـيطـَـة في نِـعال ِ

--------------------------------------------------------------------------------------------------



جاديّ يقول،

الأفعالَ الأفعالَ أيُّها الرِّجال مقرونة ً بالأقوال،
فـقـولٌ بـِـلا فِعـْـل ٍ كـبـارِق ِ خـُـلــَّـبِ

و ما المَـرْؤ إلا كالـشـُّـجـَـيْـرَةِ عُـــــودُهُ يَــفــْــنى و أمَّـا فِـعْــلــُـهُ فـَـكِــتــَـابُ

--------------------------------------------------------------------------------------------------

إنه جاديٌّ مِنْ صَـبـْـر ٍ غير ِ عَـادِيّ، عاقِـبـَـتــُـه ُ كالـماذِيّ.

أ ُفـَـصِّــلُ لِـلـصَّـادِ وجْها ً بَـهـِـيجا ً و لِـلـْـباءِ جـِـيْـدا ً و لِـلرَّاء ِ طـَـرْف
فـأكـْـسُـوهُ ضَـوءا ً و لـَـوْنا ً و عَــــرْف
لأنـِّـيْ جَــلـِـيْـسُ بَـيَـان ٍ و صَـــــــــرْف
أجوع ُ لِـحَـرْف ٍ و أقــْــتـَـاتُ حَــــــرْف
يُـجَـاوِرُنـِـي حـَـرْفُ نـَـصْـبٍ و ظـَرْف
و ألـْـهَـجُ بـِاسْم ٍ و فـِـعْـل ٍ و حـَـــــرْف

خـُـــــذوهُ عَــــبْـهَــــرا ً غـَـضًّـــا و فِــيــهِ خـَـبَـايا مِـنْ سَــحِـــــــيِْـــــق ِ الزعفران ِ

إلى روضِهِ الـْــفــَـتــَّــان لِـنـَـلـْـثــُـمَ مِـنـْـهُ الــثــُّــغُـورَ و الأعْـنـَـاق، و نـَـفــُـوزَ بـِـالضَّـمِّ و الـشــَّـــمِّ و الـْـعِـنـَـاق.

طـُـفْ بيْ بـِـجَـادِيِّــهِ قــَـدْ هَـدَّنـِـيْ تـَـعَـبـِـيْ و اتـْـرُكْ عِــنـَـانِـي فـإنـِّـي ههُـنا أرَبـِـي
و دَع ْ فـُـؤادِي يـَـمْــرَحْ فـِــيْ مَــرَابـِـعِـــهِ فـَـفِــيْ مَــرابــِـعِــهِ يَـغـْـدو فـُـؤادَ صَبـِي

يا لائمِــــي فِيْ ذاكَ غــَــيْــــــرَ مــُــجَـرِّبِ دَعْـنِـيْ فـَإنـِّـيْ قــَـيْــسُــها فاسْــتـَـفـْـتِـنِــي

لا أنـْـتــَـــهـِـــيْ لا أرْعـَـوي لا أنـْـثــَـنِـــــيْ حـَـــتــّى يــَـكـِــلَّ الــنـَّـثـْـرُ و الـْـمَـوْزُونُ
هيهاتَ أ ُوْفِ الـْـقــَـوْلَ فِــيْ خـَـيْـر الـْـوَرَى مِـنْ بَـعْـدِ مَـا صَـدَعَــتْ بـِـمَـدح ٍ نـــــُـونُ
لكِـــنْ أ ُعِــيْــدُ الـْقــَـولَ فِــيْهِ لـَــــعَــلــَّـنـِــي مِــــنْ تــــَـابـِـعِـيْـهِ الـْـفــَـائِـزينَ أكـــــُـونُ

فعونا ً يا إلهي مِـنـْـكَ عَـوْنا ً،
أجـِـرْنِي مِـنَ الإخـْـفاق ِ و اسْـمَـحْ بمَطـْـلبي و لا تــــُخـْـزِنـِـي يا ربِّ بـَـيـْـنَ الـْـبَرِيـَّـةِ

--------------------------------------------------------------------------------------------------

الجاديُّ المَـدُوف فِيْ صَـبْرِ النـَّـبـِـيِّ الرَّؤوف عليه الصلاة و السلام،

يَـشْـدُو الـشـَّـجـِـيُّ عَلى رَغـْـم ِ الـْخـَـلِـيِّ بـِـهِ جــَـمْـعا ً و تـَـثـْـنـــِـيَـة ً مِنْ غـَـيْـر ِ إفـْـرادِ
لأنــَّـــــــهُ رَاحُ أرْواح ٍ و أجْـــــــــــسَــــــادِ و رَوضُــه الـْـيُــمْـــنُ فِــيهِ رَائـــحٌ غــَـادِي


صـَــبـْـرُهُ ما صَـبْـرُه،

و الذي فــَــلـَـقَ الـْـحَـبّ، و أنــْـبـَـتَ الأبّ، و ذرَى ما مَـشى و دَبّ، و هــَــدَى و أكــَــبّ، و سَـمّـى نـَـفـْـسَـهُ الرّبّ، مَـنْ بـِـيَـدِهِ النـَّـواصِـي، و عِـلـْـمُـهُ أحاط بـِـالـدَّانـِـيْ و الــْـقــَـاصِـي، و سَـتــْــرُهُ عـَـمّ الـْـمُـطـِـيْعَ و الـْـعَـاصِـيْ، و أنـْـزَلَ الـْـغــَـابــِــرينَ مِـنَ الصَّــياصِـي، إنّ صَـبْـرَهُ لا يُجَـارى و ثــَــبَـاتــَـهُ لا يُـبـَـارَى.

وَحِـيـْـدُ آمَـادِه، و فــَـذ ُّ أفـْـذاذِه، ابْـتـَـدَع َ غـَـرِيـْـبَـهُ فـقالَ لِـسَـانُ الـْـحَال ِ"نِـعْـمَـتِ الـْـبـِـدْعَـة ُهذه". بَـلـَغ فيه الغاية، و رَفـَـعَ الرَّايَة، و طارَ كـُـلَّ مَـطار، و تـَـغـَـنـَّـى به راكِبُ الـْـفـُــلـْـكِ و حادي الـْـقِـطار، و شـَـهـِـدَ به النـَّـصُ و الـْـحِـسّ، و الـْـجـِـنُّ و الإنـْـس، و لا يُـنــْـكـَـرُ طــُـلــُـوع ُ الشـَّـمْـسْ.

(كـ)البَحْــرِ و الكـَافُ إنْ أنـْـصَـفـْـتَ زائِـدَة ٌ فِــيــْـــهِ فــلا تـَـحْـسَـبـَـنـْـها كافَ تـَـشبيهِ

صَــلـــَّـى عَــــلــَــيْــهِ بــارِئ ُ الـــْــــعِـبَـادِ مـا أمْــطـَــرَتْ سـُــــحْــبٌ و سَـالَ وادي

------------------------------------------------------------

كان صلـَّـى اللهُ عليه و سلـَّـمَ أصْـبَـرَ الـْـعِـبادِ عـَـلـَـى التــَّــعَــبُّــدِ و الاجْـتـِـهَــاد،

لـَوْ كان صَــبْــرُ الـــنـَّــاس جـِسْمًا لـَمْ يـَـكـُـنْ لــِــكــَــمَــالِــــــــهِ إلاّ مـَـكــَـانَ الـــرَّاس

صَـبَـرَ صلـَّـى اللهُ عليه و سـَـلــَّـمَ عـَـلـَى عِــبَـادَةِ رَبـِّـهِ صَـبْرا ً يَــبْـقـَـى، لا يـَـضِــلُّ الـْـمُــتــَّـصِـفُ بـه و لا يـَـشــْــقـَـى. فـَـهُـوَ فِـيْ تــَـعَــبُّـدِهِ عـَـجَــبٌ يـَـعْـجَـبُ مِـنـْـهُ الـْـعَـجَـبْ، و لا عـَجَبَ حين نـَعْلـَمُ أنَّ اللهَ أمَدَّهُ بـِــطــَــاقــَـةٍ لا يـُـدانِـيـْـها طاقــَـة ُ أحَـدٍ مِـنَ الـْـبَـشَـر. تـَـجَـلــَّـى صَـبْـرُهُ فِـيْ اسـتقامته على أمْـرِ الله، و مُـواصلة العِـبادة في الحَـضـَـرِ و السـَّـفـَـر و الصِّــحَّـةِ و الـسـُّـقــْـم ِ و السِّـلـْـم ِ و الحَرْب و السِّـرِّ و الـْـعَـلـَـن، عـِـبَـادَةٍ دَائـِـبَـةٍ يقومُ معها بشؤون ِ أهـْــلـِـهِ، و أ ُمُورِ دَوْلـَـتِـه، و مَـصَـالِـح ِ دُنـْـيَـاهُ و آخِـرَتِـه، مَـعَ خـُـشُـوع ٍ و حُـسْـن ِ أداءٍ لا يَـطـْـمَـحُ بـَـشـَـرٌ إلى بُـلـُـوغ ِ مِـثـْـلِـه.

فـَـقــُــلْ لِـلــَّـذِيْ يـَـسْــمُــو لِــذيْـل ِ غـُـبَــــارِهِ ظـَـلـَمْـتَ الـْعِـتـَاقَ الشـَّـيْـظـَمِـيَّاتِ فـَارْفـُق ِ

و قـُـرَّة ُ عَـيْـنِـهِ شَــاهِـدَة: "مـَـازَالَ يَـقــُـومُ اللــَّــيلَ حـتى تـَـفطـَّـرَت قـَـدَماه"،

يَـبـِـيْـتُ يـُـجَـافِـي جـَـنـْـــبَـــهُ عَـنْ فِـــرَاشِــــهِ إذا اســـتــَــثــْـقـَـلـَتْ بالمُشْرِكِيْنَ المَضَاجـِعُ

صـلـَّـى حُذيفة ُ رَضي اللهُ عنه معه ذات ليلة، فافـتـتح البقرة فقرأها، ثم النساء، ثم آل عمران، يقرأ مـُـتـَـرَسِّـلا ً مُـسَـبِّـحا ًسائِلا ً مُـتـَـعَـوِّذا ً، راكِـعا ً نـَحْـوا ً مِـنْ قِـيَـامِه، قائما ً قـريبا مِنْ رُكـُوعِه، سَاجـِـدا ً نـَـحْوا ً مِنْ قِـيامِه، لِـصَـدْرهِ أزيْـزٌ كـَـأزيـْـزِ الـْـمِـرْجـَـل ِ مِـنَ الـْـبُـكــاء،

لـَــهُ فِــي الـلــَّــيْــل ِ دَمْــعٌ لــَـيْــسَ يـَـرْقــَـى و قــَـلــْـبٌ مــَـا يـَـغــِـبُّ لـَـهُ وَجـِـيــْــــــبُ

صَـلـَّى ابْنُ مَـسْـعُـودٍ معه ليلة ً فأطال صلاتـَه، حـَـتى هـَــمَّ ابنُ مسعودٍ أنْ يَـجْـلـِـسَ و يـَـدَعَـهُ مِـنْ طــُـول ٍ كـَـثِــيْـرٍ ما اعتاده.

يقوم ليلة ً مِـن َاللـَّـيَـالِيْ و يَــقــُــولُ: "يا عائشة، ذريني أتـَـعَـبَّـد لِـرَبـِّـي"، ثــُــمَّ تـَـطـَـهـَّــرَ و قامَ يـُـصَــلـِّـي، فلم يزل يبكي حتى بل الأرضَ مِـنْ حَـولِـهِ و جاءه بـِـلالُ يـؤذِنــُـهُ لصلاة الصُّـبْـح، و لم يـَـزَلْ يبكي.

دَمــْــعُــــــــهُ مِــنْ خــَــشــْــيـَـةِ الله جـَـــرَى فِــيْ مــُـصَلا َّهُ يـَـفـُـوقُ الـْـجَـوْهـــَــــرا

و وَجَدَ ذاتَ ليلةٍ شيئا ً فلما أصْبـَحَ قيل يا رسولَ الله: "إنّ أثــَـرَ الوَجَع ِ بـِكَ لـَـبـَـيـِّـنْ"، فقال: "إني على ما ترون بحَمْدِ الله قد قرأتُ السَّـبْـعَ الطـِّـوال".

لـَـــمْ يَــــحْــــوِ طِـرْسٌ مِـثــْـلـَــــــهَـــــــا كـَـلا و لا رَقــَــــمَ الــْــــقــَـــلــَــــــــــمْ

و في ليلة بدرٍ يقول عـَـلِـيّ: "و لقد رأيـتــُـنا و ما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان تحت شجرة يـُـصَـلــِّـي و يبكي و يدعوا حتى أصبح.

يـَـتــَــلـَـقــَّـى الـزادَ مِنْ ربِّ الـــسَّـــمــــاء طاهـِـرَ الـقــَـصْـدِ مُــلـِـحًّــا فِـي الـدُّعَـــاءِ

هكذا كان حاله، تعبـُّــدٌ و اجتهاد و جـِـدٌّ و جــِـهَــاد، لأنه أعلــَــمُ الخلق بالله و أخشاهم له، يـُـنـْـبــِـــيْــكَ عن ذلك قوله: "إني أرى ما لا ترون و أسمع ما لا تسمعون. أطـَـتِ السماء و حُـقًّ لها أن تـَـئِـطـّ ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا و مَــلــَـكٌ واضعٌ جـبـهـتـه لله ساجدا. و الله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا و ما تلذذتم بالنساء على الفــُـرُش و لخرجتم إلى الصَّــعُـدَاتِ تجْـأرون إلى الله"، فغطـَّـى الصحابة رؤوسَهم و لهم خـَـنِــيْـن.

ما الأنـْـجُــمُ الــزُّهــْــرُ كــَـمِــثــْـل ِ الـْـحَـصَـى مـا الصِّــفــْـر مِــثــْـلُ الــتــِّــبْـر كلا و لا

لِـذا، خـَـشِـيَـتِ الصِّـدِّيقة رضي الله عنها أنْ تـُـحَـدِّثَ نـَـفــْـسٌ صاحبَها أنه يقدرُ على مِـثـْـل ِ عَـمَـلِـه، خــُـشـُـوعا و خـضوعا، كمِّـيَّـة و كـَـيْــفِــيَّـة و إخلاصا، فبادَرَتْ إلى تبديد هذا الوَهْم قائلة: "كان عمله دِيْـمَـة، و أيـُّـكـُـم يستطيع ما كان يستطيع؟!".

مَــنْ يُـــسَـــــاويْــهِ و مَــنْ يـَـحـْـــكِــــيْـــــهِ لا مَـــــا سَـبـِـيْـكُ الـتــِّـبْــرِ مِـثــُـلُ الـْجَـنـْـدَل ِ

لا تــَــتــْـبَـع ِ الأوْشــَــالَ مـِــنْ بـَــعْــدِ مـَـــــا رأيْـــتَ هــَــذا الــْــعَــارِضَ المـُــسْــــبـِلا

أعني به هديَ خيرِ الوَرَى، مَنْ أ ُنـْـزِلَ عـَـلـَـيْـه: "فاعبُـدْهُ و اصْـطـَـبـِـرْ لِــعِـبَـادَتـِـه".

صـَــلــَّــى عــَــلــَــيــْـــهِ اللهُ ذو الــْـــجَـــلال ِ و صــَـــحْـــبــِـــــهِ و حِـــزْبـــِــهِ و الآل ِ

---------------------------------------------------------

كان صلـَّـى اللهُ عَــلــيه و سَــلــَّــمَ أصْـبَـرَ الـنـَّـاس،

ذاكَ الــَّـذِي كــان في الــلأواءِ مـُــسْــــتـــَـويا ً فِيْ زُهـْدِهِ الـْوَرِقُ الـْمَضْرُوبُ و الـْوَرَقُ

لـَـهُ بَــحْــرُ صَــبـْــرٍ تـَـرَى كــُــلَّ بـَـحــْــــرٍ مـَـــقِــــيْـس ٍ إلـَـــيْـهِ شـَــبـِـيْــها ً بـِـبَـــرّ
و ذلـِـكَ بــَــحــْــرٌ عـَـجـِـيْــبُ الــصِّـــفــَــاتِ عـَـــــذبُ الــْــمَـــــــــــــوارِدِ قــَــذ َّاهُ دُرّ

صَـبَـرَ صـَـلــَّى اللهُ عـَلـَيهِ و سَـلـَّـمَ عـلى الجوع و الفقر و الحاجة صبرا بلغ فيه الغاية، و تجاوز النهاية، و أنـْـطـَـقَ بالافصاح و الكِناية. كان على يقين ٍ بأنّ الدنيا و ما فيها و إنْ عَـظـُـمَ في الأعـيُن ِ الـْـقــَـاصِـرة هـيِّـنٌ حـقير،

فـَـهـِـيَ الــسِّــــجـْــنُ لـِــمَـــــنْ آمَــنــُــــــوا و الجَــنـَّــة ُ الفــَــيْحَـا لـِمَــنْ قـد كـَــفـَـر

يـَـمُـرُّ عليه الهلالُ و الهلالُ و الهلال، ثلاثة ُ أهِـلــَّـةٍ في شهرين، و ما أ ُوقِـدَ في بيته نار.

يظلُّ أياما و لياليَ متتابعة طاويا و أهلــُــه لا يجدون عشاءً، بل يظلُّ اليوم يلتوي من شدة الجوع و لا يجد من الدَّقـْـل ِ ما يملؤ به بطنـَـه.

و أكـلَ مع صحبه ورق السَّـمُـرِ حتى قـَـرِحَتْ أشداقهم.

و خـَـرَجَ ذاتَ يوم فلقـِـيَ أبا بكر و عـُـمَـر فقال: "ما أخرجكما من بيوتِكما الساعة؟"، قالوا: "الجوع يا رسولَ الله"، قال: "و أنا و الذي نفسي بـِـيَـدِه لأخـْـرَجـَـنِـيْ الذي أخـْـرَجـَـكـُما".

و لقد أتـَـتْ عليه ثلاثون مِنْ بين يوم ٍ و ليلة ما لــَـه ُ و لِـبـِـلال طعامٌ يأكله ذو كـَـبـِـدٍ إلا شيءٌ يُواريه إبـْـطـُ بلال.

رَبـَـطـَ مِـنْ شدة الجوع الحَـجَـرَ على بطنه، و نام على الحصيرِ حتى أثـَّـرَ في جَـنـْبـِه، و ناوَلـَتـْهُ فاطِـمَـة ُ كِـسْرَة َ خــُـبْـز ٍ فقال: "هذا أوَّلُ طعام ٍ أكله أبوكِ منذ ثلاث".

و خرج من الدنيا و لم يشبع من خبز الشعير، ليس منها ذرة ٌ في قلبه.

عُرِضَتْ عليه مفاتيح الخزائن فأباها، و اختار لنفسه و لأهله عيشة َ الـْـكـَـفاف، لا تحريما ً للطيبات و لا عجزا ً عن مـُـتـَـع ِ الحياة، و لكنه استعلاء على الشهوات.

أتــَــتــْـهُ الـْــمُــغـْــرِيـَـاتُ فـَـمَــالَ عـَـنـْـها و راح يــَــهـُــشــُّــها هــَــشَّ الــذبــابِ
و لـْـم يـَـسْــلـُـكْ إلى الـشـَّـهـــــــوَاتِ دَرْبا ً و لا وَلـَـجَـــتْ خــُـطـَاهُ لـَـها بــِــبَـــابِ

شعاره: "لا عيشَ إلا عيشُ الآخِرة"، "مالي و للدنيا"، و دعاؤه: "اللهم اجعل رزق آل محمدٍّ قـُـوتا".

عـــلــيـه كـَوامِـلُ الـصَّــلـَـواتِ تــَــتــْــرى فـلا لــَـيــَـلا ً تــَــطِــيـْشُ و لا نــَـهَــارا

-----------------------------------------------------

كان صلـَّى اللهُ عليه و سلم سَـيـِّـدَ الصابرين،

تـَــزيـــدُهُ نـُـوَبُ الأيــــــام مـَـكـْـرُمَــــة ً كـأنـه الذهـَـبُ الإبْـرِيْـزُ فِي اللـَّـهَــبِ

ذو مـَـبـْـدأٍ لا تـَـهُــزُّ الــرِّيْــحُ مـَـنـكِــبَـهُ و لِـــــلرِّيـــاح هُــبُـــوبٌ ذاتِ ألـْــوانِ

حازَ الـصـبْـر صِـرْفا ً و نـَـعْــتا ً، و بلغ غاية ً لا تـُـحَـدُّ بـإلى و حتى، فـهُـوَ أصْــبَـرُ مَـنْ صَـافَ و شــَـــتــَّـى،

فــَــحَــالٌ واحِــــــدٌ فِــي كــُــلِّ حــــــــال ٍ و حالاتُ الــزَّمــَـــان ِعـَـلـَـيْـه شـَـتــَّى

عاش مَرارة و لـَـوعة اليــُــتــْــم في أعلى مراتـِــبـِـه،

مــَــاتَ أبـــُـــوهُ الـْـــحـُـــرُّ فـِيْ المَــدينة و الـْــحَــمْـــلُ فِـــيْ آمِـــنــَــة َ الأمينة

ثــُــمَّ تــُــوُفــِّــيَـتْ أمُّــهُ و قـد تعــَــلــَّــقَ بـها قلــبُـه، فــَــعَــظــُــمَ يُــتـْـمُه.

فــَــأمُّــهُ مَــاتــَــتْ لـِـسِــتِّ سَـــنــَــواتْ مِــنْ عُــمْــرِهِ و يـالـَـمَوْتِ الأمـــــهات

كـَـفِــلــَــهُ جَــدُّهُ و ضـَــمَّــهُ، و رَقًّ عليه فـَـقــَــدَّمه على بنيه مُـستشعرا ألـَـمَ يـُـتـْــمِه بــِـفـَــقــْــدِ أبـَـوَيْــه،

و بَـعْـدَ عَــامَــيْــن ِ تــُــوُفــِّـي جَـــــــــدُّه و فـِـيْ أشــّــدِّ الــْــيُـتــْــم ِ زادَ مَـجْــدُه

تـُوُفـِّيَ جـَـدُّه و هو يـُـناهِـزُ الثامِنة من عُـمُـره، و قد عَـهـِـدَ به إلى أبي طالبٍ عـَـمِّـه،

فــعَـــمُّـــه الــشـَّــقــيْـــقُ ضـمَّــهُ إلـيــه و كـَــانَ فــَــوْقَ كــُـلِّ أحــَــدٍ إلـــيـْـه

لـَـزِمَـهُ و لـم يفارقه لثلاثٍ و أربعين، يـَـحُــوطـُـهُ و يـَـذ ُبُّ عنه، و يغضب له و ينصره، و يتجرَّع الحِـصارَ و الآلام نــُـصْــرَة ً له،

و مَـات عـمُّـــهُ و زَوْجُــــهُ الــكــَــريْم واعـــْـــتـَــصَـمَ النـَّــبـِيُّ بالله العظيم

و بعد حُزْنِه العظيم على وفاة عمِّـه بأيام، فـُـجـِـع بزوجـِـهِ و رفيق دربه، أوَّل ِ منْ آمَنَ به و واساه و صَدَّقــَـه و خــَـفـَّـفَ عنه.

تــقـــولُ كــَــلا بــَــلْ و ألـْــفُ كـــلا يَــا مَـنْ تـُعـِــيْــنُ عاجـِـزا ً و كـــلا
واللهِ لا يـُــخـْــزيْـــكَ رَبُّ الــنــَّــاس ِ يـا واصِـلَ الأرحَـام و الـْمُوَاسِـــــي

إنها حمَّـالة ُ الحُــبِّ لا حمَّالة الحَطـَـب، خديجة ذات العز و الشرف، و الدُّرُّ لا يخرج إلا مِـنْ صَــدَفْ.

فــَـسُــمِّـيَ ذلك العام بـ "عام الحــُـزْن"، جـُـمِــعَــتْ عليه مُـصيبتان عـُـظـْـمَـيان، إذ ْ فـَــقــَـدَ الــسـَّــنــَـدَ الدَّاخِــلـِـيَّ و الـْخـَـارجـِـيَّ.

لكنه لم يفقد صبرَه...

و كم عَـصَـفـَتْ في جانبـيه فلمْ يبـِتْ لـها قــَـلِــقا ًو الطـَّـودُ لا يـتزحزح

مات بـَــنــُــوهُ كلهم في حياته سِـوى فاطمة، فاحتسب و صبر على حـَـزَنْ.

لــَـمْ يـَـبْــتـَـئِـسْ لـِـمُـلِـمَّـةٍ عَـرَضَــتْ لا فــرْحَـــة ٌ تـَــبْـقى و لا حَــــزَنُ

مات ابنـُه ابراهيمُ بين يديه و عمره سنتان، فكان ينظر إليه و عيناه تـَذرِفان بدموع ٍ كالجـِـفان، و في ثباتِ ثـَـهْــلان قال في غاية البيان:

"إنَّ العينَ تدمع و القلبَ يَحْزن و لا نقول إلا ما يُرضي ربَّــنا، و إنا بفراقك يا ابراهيمُ لمحزونون"

و كــُــلُّ نــَــضِــيْــرَةٍ فــإلـى ذ ُبـــُـول ٍ و كلُّ مـُـضِــيْــئــَـةٍ فإلى انــطـِفــاءِ

يَخـْـرُجُ لـِــبَدرٍ و ابنتــُـه رُقــَــيَّـة َمَــرِيْــضـَـة، و زينبُ بــمـَــكــَّــة َ تعيش غـُـرْبــَـة ً قاسية، و بينا هو في بدر قد نصره الله ماتت رُقــَــيَّـة.

ماتت و والدُها بعيدٌ عنها، ماتت قبل أن ترى نـَـصْـرَ والدها و تطمئنَّ على سلامته، و سُـوِّيَ التـُّرابُ على رُقــَــيَّـة قبل وصوله، و خيـَّـــمَ الحُـزْن ُعلى بيت النـُّـبـُـوَّة.

ليت شعري كيف استقبله أحبابه في طـَـيْــبـَة؟ أيُـهَـنــِّــئونه بنصر الله أم يُـعـَـزُّونه في رُقــَــيَّـة؟!

ليت شعري كيف حاله حين التقت عيناه بـعَـيْــنـَي أم كلثوم و فاطمة؟!

يا لــَـلـَّــه لرسول الله، لخليل الله، لم تـَصْـفُ له الحياة.

الـْحــُـزْنُ و المُـعاناة جـُـزءٌ مِـنْ حـَـيَـاتِه، و لكنه قد قــَــرَّرَ فقال: "أشد ُّ الناس ِ بلاءً الأنبياء، يـُـبْــتلى المرءُ على قــَـدْرِ دِيــْـنِـه".

صبر على فـَـقـْـدِ رُقــَــيَّـة و خـَـفـَّــفَ عن زوجها عـُـثمانَ مـُـصيبته بقوله: "لك أجر من شهـِـدَ بدرا و سَـهْـمُه"، و بأم كلثوم ٍ زوَّجــَـه، لينال لقب "ذي النــُّـورَيــْـن ِ" رضي الله عنه و أرضاه.

أنــْــبَــاءُ صــَــبْـــرٍ لا يــُــقــُـامُ بـِــحـَــقــِّـها و لو أنها كــُــتـِـبَــتْ بــِـذ َوْبِ الـْـعَـسْجـَـدِ

و تـُـهاجر زينبُ مُـرَوَّعَـة ً مـُـتــَـأثــِّـرَة ً، و يـَـرُدُّها صلى الله عليه و سلم لزوجها أبي العاص بعد إسلامه، فـيـَـلــْــتــَــئِـمُ شـَـمْــلُ الأسرة و تعود الحياة في بيتِ زينبَ هانـِـئــَـة، و لكنَّ مشيئة الله نافِــذة. لم يمض ِ سِـوى زَمَن ٍ يَــسِــيْـر ٍ حـَـتى اشتد المرضُ عليها لتلقى ربَّــها في العام الذي رُدَّتْ فيه لزوجها، فـخـَـيـَّــمَ الحــُـزن على النبيِّ،

و امــْـــتـَـلأتْ عــَــيْــنــَـاهُ بـِـالـدُّمـــــُــوع ِ و حــَــزُنَ الـــتــَّــابــِــعُ لـِـلـْمــَــتـْـبُـوع ِ

و وقف صابرا يـُـتابع غسلها و يقول: "إذا فـَـرَغـْــتــُــنَّ فــآذِنــَّــنــِــيْ"، فـلما فـَـرَغـْـنَ ألقى إلــيــهـِـنَّ إزاره و أمــَــرَ بـِـجعلـِـهِ مِـمَّا يــَــلِــي جسـدها قائلا: "أشْـعِـرْنــَــها إيــَّــاه و ابـْــدَأنَ بــِـمَـيَـاِمِـنِـها"، ثــُـمَّ صلـَّى عـليها و احتسبها.

ثـُـمَّ وافـَـتِ الـْـمـَـنـِـيـَّـة ُ أخـْـتـَها أم َّ كلثوم في السَّـنــَـةِ التاسعة للهجرة، فــتــتابع الـْـحَـزَنُ عليه صلى الله عليه و سلم بوفاتها بعد إخوتها. و وقف الأبُ الحزين على باب الحـُـجْـرة التي تـُـغـَـسَّــلُ فيها يـُـناولُ الغاسلاتِ الكـَـفـَـنَ ثـَـوْبا ً ثــَــوْبا، ثـُـمَّ صلى عليها و في ثـرى الـْـبَــقِــيْـع ِ وسَّــدَها، و ذرف الدمعَ عليها، و ليس الذي يجري من العين ِ ماؤها.

و لو كــــان يــُــبْــكــَـى كـلُّ مـيْــتٍ بـقــَـدْرِهِ إذا ً عـلِـمَـتْ جَـمَّـاتـُهَـا كـيْـفَ تــُـنـْزحُ

أحــْــلــِــــــــــفُ بـالـلـَّهِ أنْ لــَـمْ يــُــصَـــبِ في النـاس ِ مِثـْـلُ المُـصْـطـَـفـَى مُـحَـمَّـدِ

و مـَـعَ ذا، لم يطلب غير الحالة التي اختارها الله له، على عِـظـَـم ِ رَزَاياه.

و الخـَـيْـرُ أجْــمَـعُ فِــيْ مـَـا اخـْـتـَـارَ خـَـالِـقــُـنـُا و فِـيْ اخـْـتِـيَـارِ سِـواهُ اللـــَّــوْمُ و الـشـُّـومُ

أقـْــــــــــسِـــــــــمُ بـالـلـَّهِ أنْ لــَـمْ يــَــصْـــبــِــرِ فـــي الخلق ِ مِثـْـلُ المُـصْـطـَـفـَى مُـحَـمَّـدِ

إنــَّـهُ صَــبْـرُ مَـنْ أ ُنـْـزِلَ عَـلـَـيْـهِ
"فاصْـبــْـرْ صـَـبْــرا ً جَــمِــيلا"

صــَــلــَّـــى عـَـلِــيْــهِ رَبــُّــنــَــا و سـَـلــَّــمـــــا و الآل ِ و الأصْحابِ أنـْـجُـم ِ السـَّـمَـــــــا

---------------------------------------------------

كان صلى الله عليه و سلم أرْسَى مِـنَ الطـًّـوْدِ الـْـمَـنِـيْـفِ و أرسـَـخُ،

ثـَـبَــاتٌ إذا ما الــشــَّـامِـخــَـاتُ تــَـرُومُـــــــــهُ تـَـرُضُّ بـِـهِ رَضــْــوى و يـَـذبـُـلُ يـَـذبُلا

في سبيل إبلاغ رسالة ربِّه تـَـحَـمَّـلَ مالم يتحمله بشر، و قابل ذلك بصبر أعمقُ من الصبر. لقي مِنْ مَنْ كان يدعوهم إلى الله ما يُـشِـيْـبُ النواصي و يَـهـُـدُّ الصَّــيَـاصِـي. و هو مع ذا صابرٌ صبرَ المُستعلي، ثابتٌ ثباتَ الواثق المُسْـتـَـولي، يقول: "لقد أ ُخِـفــْـتُ في الله و ما يُخــَـافُ أحَـد، و أوذيتُ في الله و ما يؤذى أحد". ناصبوه العداء، و آذ َوهُ أشـَـدَّ الإيذاء، ما تركوا حيلة يظنون أنْ ستنفعهم في أنْ يثنوه عن رسالته إلا طرقوها،

"يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم"

و نــُــورُ رَبــِّــكَ لا يــُــطـفـى و إنْ حــَــرَصَ الـخـَــبُّ اللــَّـئيْمُ على الإطفـاء و اجْـتهدا

تناولوه بكل كبيرة، و قصدوه بكل جَريرة، تـَمـالأ َ عليه السُّـفهاء و العظماء، بالغوا في تحدِّيــْـهم و تــَـأبــِّــيـْـهــِـم عن قبول دعوته،

"لن نؤمنَ لك حتى تجعل الصفا ذهبا"، "حتى تــَـفــْــجُـرَ لنا من الأرض يـَـنبوعا"، "أو تكونَ لك جَـنــَّــة"، "أو تـُسْـقِـطـَ السماء"، "أو تأتي بالله و الملائكة"، "أو يكونَ لك بيت من زُخـْـرُف، أو تــَــرْقى في السماء"، و حاله: "سُـبحن ربِّيْ هل كنتُ إلا بـَـشرا ً رسولا".

و يُخـَـيِّـرُه ربـُّـه: "إنْ شئتَ أنْ تستأني بهم، و إنْ شئتَ أنْ تـُـعطيَهم الذي سألوا فإنْ كفروا أ ُهـْـلِـكوا كما أ ُهـْـلـِـكَ مَـنْ كان قبلهم"، فسَـامَ السماءَ و جاوزَ الجوزاء، و رقـَى المَـراقيَ و ارتقى العَـلــْـياء، و قال: "بل أسْــتــَـأني بهم".

ألـْــفاظــُــهُ مَـــــبْــذولــَـة ٌ بَــذلَ الـْـحَــيَـــــا و مصُــونة ٌ صَـونَ العَــذارى الـْخـُـرَّدِ
لا تـَحْــسَــبُــوا كـَحـَــلَ العُـيُـون ِ بـِـحِـيْــلــَـةٍ إنَّ الــْــمَــهَــا لــَـمْ تــَــكــْــتــَـحِـلْ بالإثم

و لـَـمْ يـَـزلْ صـَـابــِـرا يـَـرْجُـو هِـدايـَـتـَـهُـمْ يــَــزدادُ وُدًّا و يَــزْدادونَ فِــيْ الـلــَّــدَدِ

آذوه أبلغ الأذى فصبر، استهزؤوا به و سخروا و هـَـمَـزوا و لـَـمَـزوا و سَـبُّـوا و شـَـتـَـمُـوا، و اتــَّـهَـمُـوه بالشعر و السحر و الكهانة و الجنون و جميع أنواع الزور و الـبُهتان، فما انثنى و لا فـَـتــَـرْ.

و ضعوا سلا الجزور على ظهره ساجدا و استضحكوا، و خنقوه بردائه، و طرحوا الشوك على طريقه و نثروا التراب على رأسه، و أخذوا بتلابيبه حتى سقط على ركبتيه، فصبر و ما ضَـجـِـر.

أغـْرَوْهُ بالمال و السِّيادة و النساء فما التفت إلى ذلك و لا نظر.

و استعملوا معه سلاح المقاطعة الاقتصادية لثلاث سنين في الشـِّــعْـبِ، حتى جَـهــِـدَ و مَنْ مَـعَـهُ، و خرج منها و انتصر، و خاب صنيعهم و اندحر.

حاولوا أن يضغطوا عليه بعمه أبي طالب فما أثــَّــرَ فيه و لا انكسر.

لاحقوه في النوادي يـُـثــَـبِّــطـُـونَ عن دعوته و يـُـخـَـذ ِّلــُـون الناس عنه، فخـَـيـَّــبَـهُـمُ اللهُ بـِـبَــيْـعة الأنصار الغــُـرَرْ.

حاولوا قتله بمشورة إبليس بعد يأسهم من نجاح محاولاتهم السابقة، فأقـْـمَـأهم الله و نجا و فاز بالظــَــفــَـرْ.

و كــَـمْ رمـَـاهُ الـْــعِــدا يـَـوما ً بـِـداهِــــيـةٍ قــَــدْ أبــْــرَمـَـتــْــها مِـنَ الأمْـلاءِ آراءُ
لِــيُــطـْـفــِــئـوا نــُـورَهُ و اللهُ مـُـظـْــهـِـرُهُ بــِــرُغـْـمِــهـِـمْ فـإذا الإطـْـفــَـاءُ إذكـاءُ

لم تكن هذه الحوادث التي مرَّت في مكة َ حديثَ يوم و ليلة، لكنها ظلت ثلاثة َ عشرَ عاما، لم تــَــفـْـتــُـرْ قريشُ لحظة و لم تتراجع غـَـمْـضَـة، يزدادون كفرا و عِنادا و يزداد مُحَـمَّـدٌ بالحق صبرا و ثباتا.

يُــقــاوِمُ الــــرِّيـْـحَ و الأنـْـوَاءَ مُــهِْــتـَـدِيا ً بالحَـقِّ لـَـمْ يـَـنحَـرِفْ عنـْه و لمْ يَـحِـدِ

صـَــبُــورٌ عَــلى اللأواءِ مَـا لانَ عُــودُه ُ و لا مَـسَّـهُ فِيْ الـْــمُــعْـضِلاتِ عـَـناءُ

و اشـْـتــَــدَّ مـا يـَـلــْــقــَـاهُ مِــنْ قــُـرَيْــش ِ فـِـيْ نـَــفــْــسِــهِ و أهـْــلـِـهِ و الـْـعَــيْش ِ

و لما يئس من استجابة قومه طـَـمِـع في أن يـَـنصُـرَه قومٌ غيرُ قومِه،

فـعَـــرَضَ الأمـر عـــلــــى الـقـــبـــائــــل ِ عـلى كــــبــــارهـِم و في الـــمــحافـــل ِ
و الـْــتـــمَــــسَ الــنـُّــصْرَة مِنْ ثـَـقِــيْــفِ لــــكـــنــه قــُـوبـِـلَ بالـــــتــَّــعْــنِــيْــفِ

عَـمَـدَ إلى الطائفِ رجاءَ نـُـصْـرته و إيوائه و مَــنـْـعِــهِ لتبليغ رسالة ربِّه، فهُمْ أخواله مِنَ الرَّضاعة و ليس بينهم و بينه عداوة. فكلــَّــمهم في الأمر دون تبرُّم ِ،

فـَــلـَـمْ يَــرَ مَــنْ يـُـــؤوي و لا ناصرا ً لــهُ و لمْ يَكُ فِـيْــهـِــمْ مــُــقـْــبـِـلٌ يَـتــَـبَـسَّـمُ

رَدُّوا عليه أقبح ردٍّ و أشَـدَّه، أغـْـرَوا به الأوباشَ و الصبيانَ،

و قـامــوا له صـَـفـَّـيْـن ِ يَـرْمـُـــــون نـَـحْــوَهُ حِـجَـارا إلى أنْ خـَضَّـبُـوا الرِّجْـلَ بالـدَّم ِ

أدْمَـوا عقِــبَـيْـه، و ما أتى عليه يومٌ كان أشدَّ مِنْ يوم ِ الـْــعَــقــَــبَــة.

بلاءٌ متلاطم، و عناءٌ متراكم، إغراءٌ للسفهاء، إشاعة ُ أمره للأعداء،

و ذي مِــحْــنــَـة ٌ أرْبَــتْ على كــُـلِّ مِـحْـنـَـةٍ و قــَـارِعَــة ٌغـَـابَــتْ لـَـدَيْـهَـا الـْقـَـوَارِع ُ

و مع هذا كلـِّـهِ لم يتبرَّم من أذيتهم، و لم يَـدَع ْ دعوتهم، ظلَّ صابرا يدعو إلى الله لا يصده صادّ، و لا يَـحُـولُ بينـَـه و بين دعوته ناد. حالـُه:

تــِــلـْـكــُـمُ غــَــايَــتِــيْ و هـذي طـَـريــقي
هـــدفـِـي واضحٌ و إنْ كـان دَرْبــِـي مــُــفـْـعَــما ً بالصِّــعَـاب و الـتــَّــعْــويْـق ِ
و يـَـقـِــيْــنِــي هـُـوَ الـْـيَــقِــيْـنُ و إنْ ضَـاقـَـتْ حَـياتِــيْ و غـَصَّ حلـْـقي بريْقي

يُـرَاوَدُ على استئصالهم و تعجيل نكالِهم و إهلاكهم فـيأبى، راجيا أن يُخرِجَ اللهُ مِنْ أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا.

و قد حقق الله له ما رجاه، فلم يَطـُـل ِ الزمنُ حتى أضحت مكة ُ دارَ إسلام، و آمن قومُه أجمعون إلا من حقت عليه كلمة ُ العذاب، و غدا من كان عدوًّا له بالأمس ِ اليومَ وَلـِـيًّا و جُـنديـًّا وفيـَّـا.

فخرج مِنْ صُـلـْـبِ الـْـوَلـِـيْـدِ عَــدُوِّ الله، خـَـالــِــدُ سيفُ الله.

و مِنْ أبي جهل ٍ فرعون ِ الأمَّـة، عِـكـْـرِمَـة ُ فـَـرْدٌ بأمَّة.

حـَــيْــثُ مـا شِـئــتَ مِـنْ هـُــداهـُـمْ مـَــنــَــارُ أيْــنــَــما سِـرْتَ مِــنْ نـَـداهــُــمْ شُـهُـودُ
كـُـلــَّـما شابَ فـــي الـــمَـعـَـاركِ كـَـهْـــــــــلٌ شـَـبَّ فِــيْ السـَّـاح ِ لـلـْــجـِــهَــادِ ولـِـيْـدُ

إنه درسٌ للدعاة و المُصلحين أنْ لا ييأسوا من النصر و التمكين، فهو آتٍ لا مَحالة و لو بعد حين،

"إنا لننصر رسُـلـَـنا و الذين آمنوا"

وعدٌ من رب العالمين.

قد يستعصي الإصلاحُ على جيل ٍ بأسره، و يُخـْـرِجُ الله من أصلاب ذلك الجيل من يعبده، فما مِنْ بذرة طيبة إلا و لها أرضٌ خِـصْبـَـة. فابذل جُهْدَك و مَهِّدِ الطريق لغيرك، و أعِـدَّه لمن بعدك، و عليك بَـذرُ الحـَـبِّ،

"إنْ عليك إلا البلاغ"،

"ولكل قوم هاد"،

و قـُـدوتك خيرُ العباد.

صـَـلــَّـى عَـلـَـيْــهِ بَـارِئُ الـْـعِــبَــادِ مَــا أمْــطـَـرَتْ سُــحْــبٌ و سال وادي

---------------------------------------------------------

كان صلى الله عليه و سلم أصبر الناس،

فـِـي كـُـلِّ رابــيــةٍ شــَـــذى مِـنْ صَـبْـرهِ رَفَّ الــــنــَّـسِــيـمُ به و نـَمَّ و نـَمْـنـَما

و الــرِّيــحُ تـــزداد اعــتـــلالا كـُـلــَّــمــا هـَــبَّـــتْ و لا تـَـزْدادُ إلا طـِــيْـــبـــا ً

صبر على فِراق الوطن و الأهل و المصالح و صِلاتِ الصداقة و المودة و أسبابِ الرزق و تخلى عن ذلك كله في سبيل عقيدته و دعوته.

لما أجمع المشركون أمرهم على قتله و توزيع دَمِهِ لم يَـجـِـدْ في أحب البلاد إليه ملجأ ً من الله إلا إليه. نظر فلم يَرَ إلا عَدُوًّا مُـتـَرَبِّصا، و سهما مُصَوَّبا، و مكرا كـُـبــَّــارا. تـَـنـَـكــَّــرَ له مَنْ كان يُـلــَــقــِّــبُه بالصادق الأمين، و ضاقت عليه البلدُ الأمين، فـيـَـمَّــمَ وجهه لربِّ العالمين.

إنْ هــَــاجــَــرَ الإنـْــسَــانُ عـنْ أوطـَـانِـه فـالله أولـــى مـَــنْ إلـَـيــْــهِ يـُـهَـاجـَرُ

إذ ْ أذِنَ الله له بالهجرة، و شرح الله تعالى صدره، و قررت قريشٌ أنْ تمنعَه من الخروج أو ترى مصرعه، و لم يخافوا من عقاب ربهم، بل مكروا و مكر الله بهم.

و مـَـرَّ بــَــيْــنـَـهُــمْ و هُـمْ يـَـنــْــتـَـظِــرُون خـُـرُوجَــهُ لــَـكـِــنـَّـهُـم لا يـُـبْــصِــرُونْ

مضى صلوات الله و سلامه عليه ثم و قف ينظر إلى مكة و لـَـعَـلــَّـه يتذكر ماضياتِ أيامِه، و مراتِعَ صِبَاه، و ملاعِبَ طفولته، و أفانين شبابه. تلـُوْحُ أمامَ ناظِـرَيْه أبنية ٌ في فــُـرْجَـةِ الـْـوادي، و الكعبة الشمَّـاءُ من حولها النادي. و قف يودِّع ُ حبيبته مكة بأوديتها و سهولها و جبالها، حالت الجاهلية بينه و بينها. فحَمَلها في قلبه صابرا و ارتحل و هو يقسم بالله أنه مازال يحبها:

"والله إنك لخيرُ أرض الله، و أحب أرض الله إليّ، و لولا أني أ ُخـْرِجْـتُ منكِ ما خرجت".

و لو أجابته لأبكـَـتْ من حولها لو سمعها، ترك الروض لأن الروض لم يحتضن بالـْـحُــبِّ ألـْـحَـانَ الـْـهَــزَار.

لم يستبدل حُبـًّا بـِـحُـبّ، بل أضاف حُبـًّا إلى حُبّ. و الحال:

سـَــيِّــرَنْ نــَــفــْــسَــكَ حـُــرّا كـالـصَّــبا ثـُــمّ عـَــانِــقْ كــُــلَّ أزهـــــــــارِ الرُّبا

و اسْـتـَعْـبَـرَتْ أعْـيُـنٌ كـَادَتْ لـِـفـُرْقــَـتِـهِ تـَـبْــيَـضُّ حُـزْنا ً و أوْلاها الـبُـكا كـَمَدا

صـَــلــَّــى عــَــلــَــيــْـــهِ اللهُ ذو الـجَـــلال ِ و صــَـــحْـــبــِـــــهِ و حِـــزْبـــِــهِ و الآل ِ

---------------------------------------------------------

كان صلى الله عليه و سلم أصبر الناس،

طـَـلــْـقُ الـْـمُـحَـيَّا و الـْـخـُـطـُـوبُ عَـوَابـِـسُ صَـافِــي الـمَــوارِدِ و الـــزمانُ مُـكــَـدَّرُ

لما هاجر إلى المدينة تكالب عليه الأعداء، من يهودٍ و منافقين و مشركين ألـِـدّاء، جاوزوا في عدائه حدّا، و ناصَرُوا سُواعا ً و وُدّا، و كادوا له و لدعوته كيدا إدّا، تكاد تخر له الجبال هدّا، و كان بإيمانه جبلٌ لا نظير له و لا ندّا.

إنْ أفـْــطــَــرَتْ أفـكــارُهـُـم بـِـالـْـغــُـثا فـهـو امْرُؤ ٌ بــَــاق ٍ عـَـلـَـى صَــوْمِــهِ
لأنــه الــْــبَــحْـــرُ مـَــا أثــَّــرَتْ كــُــلُّ الـرِّيــَــاح ِ الـْــهُــوْج ِ فـِــي حـَـجــْـمـِه

نالَ البـِــغــَـالُ المنافقون من عِــرْضِـهِ و عَـابُـوا،

و لــَــمَّــا لــمْ يــُــلاقــُـوا فــِــيْــهِ عـَــيْــبـــا ً كــَـسَــوْهُ مِــنْ عُــيُــوبـِـهـِـمُ و عَـابُـــــوا

بــِــغـَـالٌ لهم فِـي كــُـلِّ يـَـوم ٍ رَزِيَّـــــــــــة ٌ و لـيْـسَ لهـــم مِـنْ خــَــشْــيَــةِ اللهِ وازِع ُ
لـَــهُـــم كــَــلِــمٌ رنــَّــانــَـة ٌ لـو وَصَـفـْـتـَـها لــَــنـَـزَّهْــتَ عَـنـها ما تـَقـول الضـَّـفادِع ُ

وهذي فِـرْيـَـة ٌ بَـلـْـهاءْ سَــيِّــدُها أبو مُـرَّة، و لا واللهِ لا أ َشَقَّ على المرء من أن يُطعَنَ في عِرْضِه، و العربُ أغـْـيَرُ الأمَم ِ على الأعراض، و كلمة العـِـرْض ِ في لسان العرب لا يـُـقابـِـلـُها كلمة في ألسِـنـَة الأمم الأخرى تـُـتـَـرْجـِـمُ عنها. و رسولُ الله صلى الله عليه و سلم أغـْـيَـرُ الـْخــَــلـْـق،

"لأنا أغـْــيَــرُ مِـنْ سَـعْــد، و الله ُ أغـْـيَـرُ مـِـنــِّي".

لـقـدْ جـَـلَّ عـَـنْ أنْ يُــزْدَرَى بـنـَـقـِـيْـصَـةٍ و هيْهَاتَ أنْ تـَغـْشى الـنـَّـبـِيَّ النـَّـقائِصُ

في حادثة الإفـْـكِ مَـرَّ صلى الله عليه و سلمَ بـمِحْـنة عظيمة، و نازِلة شاقة مُضْــنـِـيـَـة، تحمل فيها شهرا كاملا مِنَ الألم ما تـَـنـْهَـدُّ له الجبال. و أ ُضِـيْـفَ لهذه النازلة أن ِ انـْـقـَـطـَـعَ الـْـوَحـْـيُ عنه تلك المدة ليَسْرِيَ عليه البلاءُ و الامتحان و يَعْـظـُمَ الزلزال.

ظل القلب النقيُّ الكبيرُ مقرونا بآلام ٍ أخـَـفُّ منها طعنُ الرِّماح و وَقـْـعُ السُّيوفِ على الـْـهَـامْ،

حُــمِّـــلـْــتَ مِــنْ ألـَـم ٍ ما لو تـَـحَـمَّـلَ مِـنْ أمــْــثـَــالِـــهِ جَــبَـلٌ لانـْـدَكَّ تـَـفـْـتـِـيـْـتا

و صاحِــبُه الصِّـدِّيقُ و آلُ بيته يالـَـهُـمْ... عـَـقـَـدَ هـَـوْلُ الـْــفــَـاجـِـعَـةِ ألـْـسـِــنــَــتــَـهُـمْ،

يـــا إلـــهــــي مِــنْ هـُــمُـــوم ٍ تـَـتــَـوالـَـى و هــَـجـِــيْــرٍ لــــم نـَـجـِـدْ فـِـيْـهِ الظـِّـلالا

فاض الألمُ على لسان الصِّـدِّيق ِ الوقور الصابر الذي استـَـفـَـزَّ تـْـهُ ضَراوة ُ الإشاعة، فـقال كـلمة ً تـَـحْــمِــلُ مِـنَ الـْـمَـرارة ما تـَـعْـجَـزُ عــنه الــعـِـبـَـارة: "واللهِ ما رُمِــيْــنا بـِـها في الجاهليـَّـة، أفـنـرضى بها في الإسلام!".

تــَـإنُّ الــضـُّــلــُـوع و مــا يَــسْــتـَـجـِـيْـــب لِــهــَـــذا الأنـِـيْــن ِ سِــوى الأضْــــلـُـع ِ

فيْ الصـَّـدْرِ ضِــيْـقٌ و ما بَيْنَ اللـَّهـَاةِ شَجَىً و فِـيْ اللــِّـسَــان ِ و فـِيْ تـَـبْـيَـانِهِ لـَفـَـفُ

و رسول الله صلى الله عليه و سلم في لهفةِ الإنسان و قلقه، يتألم لألم أصحابه زيادة ً على ما به،

"عزيزٌ عليه ما عـَـنِـتـُّـم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم".

صعد المنبرَ يطلـُـبُ كـفَّ أذى جرثومة النــِّــفاق قائلا: "من يَعْذرُني مِنْ رَجُل ٍ بلـَـغـَـنـِـي أذاهُ في أهلي واللهِ ما عـلِمْتُ على أهلي إلا خيرا، و لقد ذكروا رجُلا ً ما علِـمْـتُ عليه إلا خيرا"، فقام سعد ابن مُعاذ رضي الله عنه و قال: "أنا أ َعْذ ُرُك، إنْ كان مِنَ الأوْس ضربنا عـُـنـُـقـَـه، و إنْ كان مِنْ إخواننا الخـَـزْرَج أمَـرتـنا فـفـعـلـنا"، فأخـَـذتِ الـْـحَــمِــيَّـة ُ سعدَ ابنَ عُبادة فقال: "لا تـَـقـْـتـُـلـُـهُ و لا تـَـقـْـدِرُ عـَـلـَى ذلك"، فقام أسَيْدُ ابنُ حضيرٍ فـَـرَدَّ على ابن عُبادة قائلا: "كذبت، لـَـعَـمْـرُ اللهِ لـَـنـَـقــْــتــُـلـَـنــَّـه. إنـَّــكَ مُنافق تـُـجادل عن المنافقين".

تأزَّم الموقف، ورقص الشيطان طربا ً و تمايل ابنُ أ ُبَيٍّ فـَـرَحا ً. ساءتِ الأحوالُ و اخـْـتـَـلــَّــتْ، و نـَـقـَـصتِ الأفعالُ و اعـْـتـَـلــَّـت، و زاد الـْـغـَـمّ، و فـُـكَّ الـْـمـُـدْغـَـمْ، و وقعوا في تعسير، و كادت تـَـشـِـبُّ فـِـتـْـنـَة ٌ تجعل الجمعَ جمعَ تكسير.

غليانٌ في النفوس، هيجان ٌ واضطراب... ابنُ عُبَادة اجْـتالــَـتـْـه الـْـحَــمِــيَّـة فقال كلمة ً خطيرة ً دفاعا عن رأس النفاق في ساعةِ غضبٍ نسِيَ فيها نفسَه، و أ ُسَـيْدُ يُطـْـلِـقُ أخرى غضبا لله و لرسوله ينسى فيها نفسهُ فيقتحم نِـيَّـة سَعْدٍ و قلبَه و ضميرَه.

و يبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الشامخ العالي في السَّـبْـسَبِ الأرْحَبْ، على المِـنـْـبَرْ يقـْـتـُـل الـْـفِـتـْـنـَـة و يُعيدهم إلى الصواب و الحكمة. سَعْدُ مِلـْئُ السمع و البصر، و أ ُسَـيْدُ مِلـْئُ السمع و البصر، الأمر لا يتحمل فجْوَة ً أو جَـفـْـوَة.

فــيـا سِــحْــرَ فِــــرْعــونَ مـــاذا تـَـقــول إذا جــَـاءَ مــُـوسَــى و ألـْـقـَى الـْعَـصا

لم يَـزَلْ يُـخـَـفـِّـضُهُـم حتى سـَـكـَـتـُوا و نطقت الحِـكـْـمَـة، و نزَلَ و الألمُ يعتصِر قلبَه، و حالُ كلِّ أحـَـدٍ مِـنْ صَـحْـبـِـه:

يا هولَ ذلــك منْ مـَـرأىً شـَـهـِـدتُ و قـَـدْ ودِدْتُ لـَو كــُـنــْـتُ أعْــمَـى لا أشاهِـدُه

عائشة ُ... يالـَعائشة....

كاد الحُـزْنُ يـُهـْـلـِـكـُـها، لا يَـرْقـَـأ ُ لـها دَمْع، و لا تـَـسْـــتــَـأهِــلُ بـِـنــَـوْم

غـُصَصٌ تكاد ُ تـَفـِـيْـضُ مـِـنـْـها نـَـفـْـسُها و يـَـكــَـادُ يـَـخـْـرُجُ قـلـبُها مِنْ صَدْرِها

أقبـَـل صلى الله عليه و سلم - بعد المشورةِ - إلى الحَصَان ِ الرَّزان ِ، يطـْـلـُبُ شافِيَ البيان،

فـَـجـَـفَّ مــاءُ الــعــيــْــن ِ فـِيْ مُـوقِـهــــا واحــْــتــَــبَــسَـتْ أوَّاهُ فــِــيْ قـَــلـْــبـِـها

و انفجر من صدرها كالبركان قولُ نبيِّ الله يعقوبَ - و قدْ نـَـسِــيَـتِ اسمَه لعِظـَم ِ الأحزان - قائلة: "واللهِ لا أجـِدُ لي و لكم مثلا إلا قولَ أبي يوسف: "فصبرٌ جميلٌ والله المستعان على ما تصفون"، ثم تحوَّلــَـتْ و اضطجعت على الفراش و اللهُ يَـعـْـلـَـمُ أنها بريئة.

و فـيْ النفـْـس ِ ما أعـْيا العِـبَــارَة َ كشْـفـُهُ و قصَّـرَ فيْ تِـبْـيَـانِـهِ النـَّـظـْمُ و النـَّـثــْرُ

جاوزَ الماءُ الـقــُـلــَّــتـَـيـْـن، و تلاطمت أمواج الحُـزن في الحرَّتـَـيـْـن، و تيمَّمَ الـْـمَـوْجُ الصَّعـِـيْـدَ الطـَّـيِّـبْ، و غشي النبيَّ صلى الله عليه و سلم ما غشيَه و تحـَـدَّرَ الـْـعَــرَقُ مِـنْ جـبـيـنِـه الطـَّـيِّـبْ، و نـزلت آياتُ براءة الصِّــدِّيـْـقــَـةِ و بـَـيْـتِ الـنــُّــبُـوَّة ِ الطـَّــيِّــبْ.

كــَـعـَـرْفِ الـْــبَــان ِ مَـعْ نــَـفـْـح ِ الـوُرُودِ و طـِــيْــبِ الــْـمِــسْــكِ مَعْ أنفاس ِ عُودِ

انشرحت الصدور، و امتلأت بالحُـبُور، و تبدلت الشرورُ بالسرور، و فــُــضِــحَ الأفاكُ المـَـأفــُون و تـُـوُعِّـدَ بأعظم ِ الشـُّـرور،


"و الذي تولـَّـى كِــبْــرَهُ منهم له عذابٌ عظيم".

و خرج رسولُ الله صلى الله عليه و سلم إلى الناس يـُـقـَـرِّرُ حـُـكـْـما مِـنْ آيات سورةِ النــُّــور لا يزول، مـَـفــَـادُهُ أنَّ عـَـائِـشـَـة َ رَمْــزُ الـطـُّـهْــرِ و الـْـعِـفــَّــة و مَنْ قـَـذفــَـها بَـعْـدُ فـقـد كــَـذ َّبَ اللهَ و كـَـفــَـرْ،

و قـــد تــَــعـَـدَّى و اسـْــتـَـطـَـالَ و اجـْــتـَـرا و خــاضَ فـِيْ بـَـحْــرِ الهَـلاكِ و افـْـتـَرا

خرج صلى الله عليه و سلم من أعظم معركةٍ نفسيةٍ خاضها مُـنـْـتــَـصِـرا، كاظِما ً آلامَه، مُحـْـتــَــفِــظا ً بوقاره، لم يـُـؤثــَـر عنه كـَـلـِـمَــة ٌ تدل على نفاد صبره أو ضَـعْـفِ احـْـتِـمَـالِـه.

فــَـمـَـا ارتـَـابَ بــَـدرٌ مِنْ تـَـكـَـلــُّــبِ نـَـابـِح ٍ و لا ارْتاع لــَــيْـثٌ مِــنْ طـَـنِــيْـن ذ ُبَابِ

و كــُـــــــلُّ أذِيــَّــاتٍ عَــــــرَتـْـــهُ رَوَافِــــعٌ لِرُتـْـــبَــتـِــهِ عِــنـْــدَ الإلــــهِ الــُـمَعَـظــَّــم ِ
فلوْ كـَـانَ يـَـعْـرُو الـتــِّـبْـرَ هـُوْنٌ بـِعـَرْضِــهِ عــلـى النــَّـارِ لم يُعْرَضْ عليها و تـُجْـحَم ِ

فأعْـظِـمْ بـِـصَـبْرِ المُصطفى عند ضـُـرِّهِ
إنه صبرُ أولي العزم من الرسل، من أ ُنـْـزِلَ عليه:
"و اصبر على ما أصابك"، "فاصبر على ما يقولون"، "فاصبر إنَّ وعد الله حقّ".

صـَــلــَّــى عــَــلــَــيــْـــهِ اللهُ ذو الــْـــجَـــلال ِ و صــَـــحْـــبــِـــــهِ و حِـــزْبـــِــهِ و الآل ِ

-----------------------------------------------------------------

كان صلى الله عليه و سلم أعظم الخلق صبرا،

فـَـإذا الـْــمَــعَــالـِـيْ أصـْـبَـحَــتْ مـَـمْـلـُوكـَـة ً أعـْــنــَـاقـُـهَا بالصَّـبْرِ فـَـهْـوَ الـمَالـِـــــكُ

يتلـقــَّى الخـُـطـُـوبَ و الشدائد بـقـلـبٍ لا يـَخـْـضـَـعُ للـنـَّـوائب، و عـَـزْمٌ تـَـزُولُ الـرَّاسِـيَـاتُ و لا يـَـزُول،

يـَــفـِـيْـضُ فـِـي كـُـلِّ قـَـلـْـبٍ مِنْ عَــزائِــمِــهِ رُوْحٌ تـُعِــيْدُ شبَـاب النـَّـفـْس ِ في الأ ُهُـبِ

و أقربُ مثال ٍعلى ذلك وقــْـعَـة ُ أ ُحُــد...

ابتلى الله فيها المسلمين، و فـَضَحَ المنافقين، و لقي فيها صلى الله عليه و سلم بأسا ً شديدا و هو كالجبل الأشـَـمِّ فِـيْ وُجُوه المشركين.

فثــَـبـيْــرُ ذو الــشــُّـــرُفــَـاتِ لا مُــتــَـزَلزِلٌ لِــــعَــوَاصِــفٍ مــَـرَّتْ و لا مـُــتــَـهَــدِّدُ

شُـجَّ وجْهُـه، و جُرِحَتْ شـَـفــَـتــُـه، و وقع في حفرةٍ و أ ُصِـيْـبَـتْ رُكـْـبـَـتـُه، و كـُـسِــرَتْ رُباعِـيـَّــتــُـه، و هــُـشـِــمَــتِ الـْـبَــيْـضَـة ُ على رأسه، و دَخـَـلـَـتْ حَــلـْـقــَـتــان ِ مِـنْ حِـلـَـق ِ الـْـمِــغـْـفـَـرِ فِـيْ وَجْـنــَـتـِـه، و سال الدَّمُ على وجهـِـهِ فــَـجَــعَــلَ يَــسْــلــُـتــُـه بـِــيَــدِهِ، و يُصَـلـِّيْ يومئذٍ جـَـالـِـسا ً لِما به، و يَـحـْـكِـي نــَـبــِـيـًّا مِـنَ الأنـبـياء أدماهُ قــَــومُـهُ و هو يمسحُ الدَّمَ عن وجههِ و يقول:

"اللهُــمَّ اغـْـفـِـرْ لـِـقــَـومِـيْ فـإنـَّهـُم لا يَـعـْـلـَمـون".

يـُعْــرَضُ الــتــِّــبْــرُ عــلى الــنــَّــارِ فـَـمـِـنْ حَـرِّهــــا يــَــكـِــتــَـسـِـبُ الــتــِّـبْـرُ الصـَّـفا

و يصبـِـرُ على قتل أصحابه و مُـقـَـرَّبيه، و على رأسهم أخوه و عَـمُّه حَـمْـزَة ُسيِّد الشهداء، أسـَـدُ الله و أسَـدُ رسولِه، و سيفُ يَمِـيْـنِه، من يَعْـدِلُ الألوف عند التحام الصفوف، و يتقدم بالذات و الأفعال تقـَـدُّمَ الأسماءِ على الحُروف.

لـَـمْ يـَـــزَلْ سَــــــدَّاد ثــَــغـْـــــرٍ فــَـاتِــحـــا ً بالـْـعــَــوالي كــُـــــلَّ ثــَـغــْـرٍ مـُـقــْـفــَـل ِ

وقف على القتلى بعد المعركة فذرفت عيناه، و سالت دموعه على لحيته، و عَظـُـمَ حزنه حين وجد عمَّـهُ حمزة َ ببطن وادي قناة. و قد مثــَّــلَ المشركون به، جَـد َعـُـوا أنفـَـه، و بَـقـَـرُوا بَـطـْـنـَـه، و لاكــُــوا كـَــبــِـدَه.

أ ُصِــيْــبَ المُـسْــلـِـمُـونَ بـِـه جـَـمِــيْـعــــا ً هُــنــاك و قــَــدْ أ ُصِـــيـْـبَ بـِهِ الرَّسـُولُ

فلم يكن منظرٌ أوجَعَ لقلبه منه، بكى و أبكى من حوله وقال: "لولا أنْ تجـِـدَ صـَـفـِــيَّة ُ في نفسها لتركـْـتـُـهُ حتى يحشرَه اللهُ مِنْ بطون السِّـبَـاع و حواصِلَ الطـَّـيْـر، لن أ ُصَابَ بمثله أبدا ً، ما وقفتُ مَوقِـفا ً أغـْـيَـظ َ إلـَيَّ مِنْ هذا".

و أصَــابَــهُ مِـنْ قــَــتـْـل ِ حـَـمْــزَة َ عَـمِّــهِ مَــا لــَـوْ أصَابَ الـشـُّــم كـُـنَّ صَحَاري

ثـُم دُفـِـنَ في نـَـمِــرَةٍ كانت عليه لـَمْ تـُـغـَـطــِّــهِ كـُـلــَّـه، و ذرفت أعْـيُنُ أصحابه عليه،

فــلــو أنــَّــهُ فـُـجـِـعَــتْ حِــرَاءُ بــِـمـِـثـْـلِـهِ لـَرَأيْـتَ رَاسِــيَ صخـْــرِهَــا يـَـتـَـبَــدَّدُ

ومرَّ النبيُّ صلى الله عليه و سلم بعدها بدار بني عبد الأشهل فسَمِـعَ بـُـكـَـاءَ النساء على قتلاهنّ، فذرفت عيناه أخرى و قال: "لكنّ حمزة لا بَواكِـيَ له".

عـَــبــْـــرة ٌ حَـرّا و قـــلــبٌ واجـِــــــــــــفُ و لــَـهــِـيْــبٌ و مـَـــــراراتٌ جــِــسَـــامُ

مـَـلآنَ مِــنْ حـَـزَن ٍ فــَـلـَـيْـسَ لـِـتـَـرْحَــــــةٍ أو فـَـرْحــَـةٍ بــِـفــُـؤادِهِ مــِـنْ مَــوْضـِـع ِ

و تتوالى عليه الابتلاءات و المَواجع، و المصائب و الفواجع، فلا تزيدُه إلا صبرا ً و ثباتا.

مُـسْــتـَـعْــصِــما ً بـــاللهِ جـَـــــلَّ جـَـلالــُـــهُ في كــُـلِّ عاصِفـَـة ٍ و قــَـصْـفِ رُعُـودِ

بـَـعـَـثَ سبعين من أصحابه قـِـبَـلَ نـَـجـْـدٍ للدعوة في جـِـوارِ فارس ٍ شـهــير، فلما نزلوا بئرَ مَعُونة قـتــَـلَ زعيمُ تلك القبائل ِ رسولَ رسول ِ الله صلى الله عليه و سلم، ثــُـمَّ استعان بمن حوله من الأعراب فهجموا عليهم و أحاطوا بهم، و واجههم الصحابة و حالهم:

أرواحـُـنـا مـَـبـْـذولـَة ٌ و دِمـَـاؤنـــــــا مـَـنـْــــذ ُوْرَة ٌ لـِـلـْـواحـِـدِ الـْــــــخـَـــــلاق ِ
للـذ َّودِ عـنْ دِيْن ِ الـنـبـِيِّ الـمُـصْـطـَـفـَى عن عـُـرْوةٍ وُثــْـقــَـى و عَـنْ مِــيْــثـاق ِ
حــتـــى و إنْ لــمْ يــَـبْــقَ مِــنــَّــا بَــاقِـــي

فـَـقــُـتِــلــُـوا جميعا إلا واحدا، فبقـيَـت أجسادهم الطاهرة في العراء حتى هوَتْ عليها طيرُ السماء. و بلغ النبيَّ صلى الله عليه و سلم نبأ الغدر و الخيانة، فحَـزِنَ عليهم حُزْنا ً لم يَـكـَدْ يُـفارقه، و في صَبْرٍ و ثبات قام يُخفــِّــفُ الفاجعة على أصحابه بـِـذِكـْـرِ رسالةِ أولئكَ الشهداء و هم أحْياءٌ عند ربِّهم يُرزَقون يقولون: "بلـِّـغوا عنا قومَـنا أنا قد لـَـقِــيْـنا ربَّــنا فرَضِيَ عنا و أرضانا".

أرَجُ الــسَّــعــَـادَةِ مِـنْ ثــَـرَاهَــا يـَــنــْــفــَـحُ
تــَـسْـرِيْ الـــكـواكــِـبُ طـَـالـِـبَــاتٍ شـَـأوَهَـا و تـَـبـِــيْــتُ فـِـيْ بَــحْـرِ الـْـمَــجَــرَّةِ تـَسْـبَحُ

يقول أنـَس: "ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم وَجَـدَ على أحَدٍ ما وَجَـدَ على أصحابِ بـِـئـْـرِ مَعُونة"

مــُـــصَـــابٌ لــَـوْ تــَـحَــمَّــلــَـهُ ثـَـبـِــــيْــــرُ دعَـــا وَيْــلا ً و أتــْـبــَــعَـــهَــا ثــُـبُــــــورا
و لــَـمْ نــَـعْــهـَـــــدْهُ فـِـيْ سـَــــــرَّاءِ حــَـال ٍ و لا ضــَــرَّائــِـــهـــــــــــا إلا شــَــكــُـوْرا

ظـَـلَّ يـَـقـْـنـُتُ داعيا ًعلى الغادرين شهرا ً كامِلا، و لم يـَـفـُـتَّ ذلك في عَضُـدِه، بل استمر في دعوته صابرا مُحتسبا، في طريق لا ترى فيها عِـوَجا ً و لا أ َمـْـتــا.

صـَــلــَّــى عــَــلــَــيــْـــهِ اللهُ ذو الــْـــجَـــلال ِ و صــَـــحْـــبــِـــــهِ و حِـــزْبـــِــهِ و الآل ِ

---------------------------------------------------


كان صلى الله عليه و سلم أصْـبـَرَ الـْـخـَــلـْـق،

رُفــِــعَــتْ لــَـهُ بــِـالـصَّـــبْــر أشـْـرَفُ رَايـَـةٍ فــَـوْقَ الأنــَـام ِ لـِـمِــثـْـلِـــهِ لـَـمْ تـُـرْفــَـع ِ

صَـبَـرَ عـلى أذى المنافقين، و الصبر عليهم مُرٌّ و لكن لا حيلة معهم غيرُ الصبر،لأنهم يزعمون الإسلامَ و يُظهـِـرون الولاء، و هم عيونُ الأعداء، يتربصون بالمسلمين، و يتتبـَّـعون عورات المؤمنين، و يُخطـِّـطون في السِّــرِّ و يمكرون.

لا خـَـيـَـرُ مـَـا فــِــيْ الـْـكـَـلـْــبِ فـِـيْــهـِـمْ و لا مَـــا فِـيْ ابـْـن ِ حَـوَّا من نـَقــَاءِ الصَّمِـيْـم

كـَـمْ شـَـمَّ الـْـمُـسْـلِـمون رائحة النفاق في لـَـحـْـن ِ قول ِ أحَدِهِم، فاستأذنوا النبيَّ صلى الله عليه و سلم في قتله، فقال في صبر لا مـُـتــَـنـَـفـَّسَ فيه: "لا يتحدَّثُ الناسُ أنَّ محمدا يَـقـْـتــُـلُ أصحابَه".

تـَــزْهــُــو بـِــحُــسْــنِــهــــا و بـــــالـجـَــمَــال ِ تــُــضِــــيءُ مِــثــْـــلَ أنـْــجُــم ِ الـلــَّـيال ِ

و ها هو صلى الله عليه و سلم قد ركـِـبَ حمارَهُ و أردف وراءَه أسامة، قاصدا عِـيَـادَة َ سَعْدِ ابنَ عُبادة، فمرَّ بمجلس ٍ فيه أخلاطـٌ من مسلمينَ و مشركينَ و يهود، و فيهــِـمُ ابنُ رَوَاحَـة َ رضي الله عنه شامـَـة ٌ زاهِــيَـة، و فيهم الجـِـلـْـفُ ابنَ أ ُبَيّ، ثــَـاغـِـيَـة ٌ دَنِــسُ الحاشية في جـِـنـْـس ِ الـْـمَاشِـيَـة، تغشاهُ مِنَ الـْـمَخازيْ غاشِـيَـة ٌ إثـْـرَ غـَاشِـيَـة، تراه يُـعْــطـِـيْ الــْـفــِــعْــلَ حَـرْفَ جَـرٍّ و لا يَرَى للـْـمَــصْـدَرِ انـْــتــِـصَــابـا. فـَـلـَـمَّا غـَـشِــيَــتِ الـْـمَـجْـلِـسُ عَـجَـاجَـة الدَّابــَّــةِ خـَـمَّــرَ ابـْـنُ أ ُبَيٍّ أنـْـفــَـه،

بـِــسُــوءِ مَــقــَـالِــهِ شــَـهــِـدَ الـزَّمَـــانُ
لــَـهُ صـُـوَرُ الــــرِّجــَــال ِ و مَــا رَأيْــــنــَـــا لــَــــــهُ قــَـدْرا ً و لا وجْـهــا ً يُـــصَــانُ

يقول: "لا تــُــغــَـبِّـرُوا عــَــلــَـيْــنا"!

و لما دعاه الرسولُ صلى الله عليه و سلم و من معه و قرأ عليهم القرآن قال: "لا أحْسَنَ مِنْ هذا، إن كان ما تقول حقا فلا تؤذنا في مجالسنا، و ارجع إلى رحلك فمن جاءك منا فاقصُصْ عليه"!

أتــَـــعْجَـبُــون.... لا عَـجَـبْ

إنَّ الــْــحـُــمَــيِّـــرَ لــَـمْ يـَــمِــزْ بـَــيْــنَ الــتــِّـــلاوةِ و الـنــَّـهــِـيْــقْ

فقال ابن رواحة: "بل اغشَـنا في مجالسنا فإنا نـُـحِـبُّ ذلك"

فــَـمَــا سَــعِــدَتْ بــِـغــَـيْــرِ هــُــدَاكَ نــَـفـْـسٌ و لـَـوْ مـَـلــَـكـَـتْ كــُــنــُوزَ الـْعَـالـَمِــيْـنَ

بـُـلـْـبُــلٌ غــَــــنــَّــى و ثــَـــــوْرٌ خــَــــــــــارَ هلْ تـُـرْفـَـضُ النـَّغـْمَـة ُ حُـبًّا فِيْ الـْخـُوار

فاسْـتـَـبُّــوا و هَـمُّوا أنْ يـَـتــَـواثــَـبُوا، فــَـخــَـفــَّـضَهُم صلى الله عليه و سلم حتى سكتوا، ثم قام عنهم.

ثابتَ الـْجَـأش ِعلى ما اشتدّ مِنْ كـُبْرى البلايا إنَ فـَقـْدَ الصبرِ للإنسان مِنْ أعلى الرَّزايا

و لم يزَلْ رأسُ النفاق يتجرَّأ و ينتقصُ و يصُدُّ عن دعوته،

لـلـْــــخِــزْي ِ أرْأى مِـنْ غـُــــرَابٍ و عَـــــنْ سَـنـَا الـْـهُـدَى اعْـمَى مِنْ رُكــَـام ِ السَّــدِيْـم

قيل للنبي صلى الله عليه و سلم: "لو أتـَـيْـتَ ابنَ أ ُبَيّ"، فانطلق إليه و قد ركِبَ حِمارَه، و انطلق المسلمون معه في أرض ٍ سَـبَـخـَة. فلما أتاه النبيُّ صلى الله عليه و سلم، قال: "إليك عنـِّـي، فقد آذاني نـَـتـَـنُ حِـمَـارِك"!

سَـمِــجُ الـْـجـِــبـِـلــَّــةِ بالنــَّــذالــَـةِ مُـفـْرِطـُ و يـَـدُورُ مِـثـْـلَ أبـِـيْ الرِّيـَاح ِ و يَـلـْبـِـطـُ

فقام رجلٌ من الأنصار و قال: "واللهِ لـَـحِمَارُ رسول ِ الله صلى الله عليه و سلم أطـْـيَـبُ رِيْحا ً منك!!!". فغضب له زُمرة ٌ من أصحابه، و غضب للأنصاريِّ أصحابُه، فكان بينهم ضربٌ بالـْـجَـرِيْـدِ و النــِّــعال و الأيْــدِي، و رسول الله صابرٌ صَبْرا ً لا يقدِرُ على مثله أ َحَـدٌ بـِـيَـدِهِ القــُــدْرة ُعلى عِقـَـابِ مِــثـْــل ِ هذا البـَـغــْـل ِ غيرُه.

أبـَـتْ معارفُ صبره صلى الله عليه و سلم أن تـَـتــَـنــَـكــَّـر، و صَـبَـاحُ ثـَـبَـاتِهِ أنْ يُـجْـحَـدَ أو يُـنــْــكــَـرْ، يَسْـتوقِـفُ صبرُه الطيرَ و رزق بـَـنـِـيْـهِ في مِــنـْـقــَـارِهِ، و لا يـَـذهَـبُ وقــَـارُه.

فحقق اللهُ مرادَه و نشرَ دِينـَه، و قلــَّــلَ أعداءَه و حُسَّـادَه،

فــلـَـمْ نــَـعْــرِفْ لــه فـِـيْ الـصـَّـبـْــرِ قــَـبْــلا ً و لمْ نـَـعْــرِفْ لــهُ فــِـيْ الـْفـَـضـْـل ِ بـَعـْــــدا
حـَـوَى هـِـمَــمَ الـرِّجــَـال ِ فـَـكــان جـَـمْــعــا ً و أ ُفـْــــرِدَ بــالــثــَّــبـَاتِ فـكــانَ فـــــــــردا

عــَـلـيْــهِ كــَـوامــِـــلُ الـصَّــلـَـواتِ تـَـتـْـرى فــَـلا لــَـــــــيْــلا ً تـَـطـِــيـْــشُ و لا نــَـهارا

-----------------------------------------------------------

كان صلى الله عليه و سلم أصْـبـَرَ الـْـخـَــلـْـق،

دهـَـــــتـْــــهُ نــَـوَازِلٌ لــوْ زُرْنَ رَضـْــــوى لـَـمَــا أبـْــقــَــيْــنَ رَضْــوَى أوْ شــَـمــَـامــا

صـَـبـَرَ عليه الصلاة و السلام على المشركين في العهد المَـدَنـِيِّ صبرا مختلفا عن صبره في العهد المَـكـِّـيّ. لأن صبره في العهد المدني صبْرٌ في ميادين القتال و المُـنازلة، صبرٌ على كــُـلـُوم ِ الرِّماح ِ و السُّـيوف ِ و المُـجَـالــَـدَة، صَـبْـرٌ يـَـنـْـفــُـد مَـعَـهُ صبرُ أوليْ العزم و القوة و المجاهدة.

و الــصَّـــبْـرُ أمْــضـَـى سِــلاح ٍ لـَـه ُ و أوْقــَـى مـِـجَــنِّ

ساوَرَهُ الباطلُ بسلطانه و أيـْـدِه، و كاثــَـرَهُ بجمعه و حشده، و دمْـدَمَ بـِـهَـزيمِهِ و رَعْـدِه، فوقف عند شرع الله و حَـدِّه، يُـعِـدُّ لـِـعَــدُوِّهِ الـْـعُـدَّة و يَـفــُــلُّ حَـدَّه، في ثباتِ أ ُحُدٍ و حِرَاء و حَرَكـَـةِ الـْـبـِـنـَاء. لم يَـنفدْ صبرُه، و لم يـَـنــْــثـَـن ِ عزمُه، و هو يقود معركة ً إثـْـرَ معركة، و يُرسِلُ سَرِيَّة ً إثـْرَ سَرِيَّة، حتى آتاه اللهُ الفتحَ المُبين و العِـزَّ و الـتـَّـمْــكين.

و كــُــلُّ شــِــرْكٍ تــَـوَلــَّـى و انـْمـَــــحَــــــــى و غـَـدَتْ رايــَـاتُ ذا الـدِّيـْـن ِ أيـْـنـَـمَا ذهَـبُوا
و جــاءَهُ الــنــَّــصْرُ نـَـصْـرُ اللهِ و اكـْـتــَـمَـلـَتْ بــِـهِ الـــرِّســــالاتُ و انـْـقــَـادَتْ له الـْحِـقـَبُ

صـَـلـــــَّـــــى عَـلـَـيْــهِ بَـارِئُ الـْـعِــــــبَـــــــادِ مَــا أمـْـــــطـَــــرَتْ سُــــحْــبٌ و سـال وادي

--------------------------------------------------------------

كان صلى الله عليه و سلم أصْـبَـرَ النــاس،

تـَـقــَـعُ الـشـَّـوامِـخُ و هـُـوَ رَاس ٍ رَاسِـخُ

لـِــلـصَّــبْـرِ بَــابٌ فِــيْ الأنـَـام ِ و لـَـمْ تـَـزَلْ يـُــمْـــنــَــاهُ مِــفـْــتــَـاحا ً لِــــذاكَ الـْـبَــابِ

صَـبَـرَ على اليهود أ ُوْلـِيْ المكرِ و الحِقد صبرا عظيما لا نظير له.

غيـَّروا صفاتِه، و جحدوا نـُـبـوَّ تـَه، و حاولوا التخلــُّص منه، و ألــَّــبُوا عليه الأحزاب، و أغرَوا المشركين به، و قالوا: "نحن معكم حتى نستأصِـلـَه".

هــَــمَــجٌ مـِـنَ الأوْبــَــاش ِ و الــْجـُـرْذان ِ

"يقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا"
"أولئك الذين لعنهم الله"

لـَـوْلا خِــدَاع ُ ثـِـيَــابـِـهـِـمْ كــَـسَــدُوا بـِــأسْــواق ِ الــْـحَــمِــيْــرْ

صَــدُّوا عن دينه، و شجعوا على عداوته، و ظاهروا عليه أعداءَه، و بـَـثــُّـوا الفتنة بين أتباعه، و حاولوا قتله غـَـيْـرَ مَـرَّة، غـَـيْـرَ مُـبالين بعهد أعطوه و لا مقيمين وزنا لميثاق أبرموه. و هو صابرٌ على خيانتهم و على ما يتوقــَّــعُـه كلَّ لحظة من غدرهم و مكرهم،

فــَـمِــثـْــلــُـهـُــم لــَـمْ تــَـعْــرِفِ الـْـعُــصُـــور فِــيْ الـْـغــَــدْرِ و الـْـخِــسَّـةِ و الـْفـُـجُـــــــور

و الـْـعَـيْـشُ لا يطيبُ مع خـُبـْـثِ الكلاب السُّـود و الذئاب السُّـحْم ِ لا يطيب... لو أنّ عيشا في الحياة طاب.

و مَــنْ حـَـارَبَ الـْـجـَــبـَّــارَ أوْدَتْ بــِـهِ الـْحِرَب،
و مـَـنْ رَامَ يـُــطـْـفـِــيْ نـُـورَهُ مـَـسَّـهُ الـْـعَـطـَبْ.

أجلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من أجلى منهم، و أبقى مَنْ أبقى منهم، إلى أن حـَـكـَـمَ سعدُ ابنُ معاذ فيهم بحُـكـْـم ِ الله مِنْ فوق سَـبْـعَـةِ أرْقـِـعَــة، بـِـقــَـتــْــل ِ المُـقـاتـِـلــَة، و سَـبْـي ِ الذ ُّرِّيــَّــة، و قِـسْـمَـةِ المال، جزاءَ نقض ِ العهدِ المُـبْـرَم ِ بينهم وبينه.

"و لا يَـحِــيْقُ الـْـمَــكــْـرُ السَّــيِّءُ إلا بـأهــلــه"

فطأطؤوا رؤوسَهم كالحُمُرِ المُـسـْـتـَـنـْـفِــرَة، بل كالدُّمى المُسَخـَّـرَة، مُـندَحِـرَة مُـعـَـفــَّــرَة، قائلة ًلو نـَـطـَـقــَـتْ:

إنَّ لـلــْــغـَـدْرِ و الــدَّســَــائِــس ِ حَـدًّا و عـَـلى الـْـباغِــيْ تــَـدُورُ الـدَّوائِــرْ

و أ ُسْـقِــطـَتْ قواعِدُ عُدْوان ِ اليهودِ في خـَـيـْـبـَرَ على يدِ رسول الله صلى الله عليه و سلم، و سقط معها قادتــُـها قــَـتــْــلى،

أشـــائـِــبُ حـَــمْـــقــى لا رِجَــالٌ أكــَـايــِــسُ فــَـذلــَّــتْ بــِـحَــمْــدِ اللهِ مِــنـْـها الـْـمَــعَــاطِسُ

و تـَـمَّ تصفية ُ آخِرِ مَـعْـقِــل ٍ لليهودِ في الجزيرة، و لم يـَـقـُـمْ بعدها لليهودِ سُـلـْـطــَـانٌ فيها و لـَـنْ يـَـقــُــومَ بإذ ْن ِ اللهِ ربِّ العالمين.

مــا جـــاءهـــا غـــازٍ يُــرِيــْـــــدُ هـَـوَانـَـهــَــا إلا يـُـرَدُّ عـــَــلــَى الــْــهـَـــــــوَان ِ و يُــهـْــزَمُ

و إنْ عَــــدا فــِــيْ سـُــوحِــهَـــــا أجْـــــــــرَبُ قـُـلـْــنــَــا لــَـهُ فِــيْ الـْـبَــحْـــرِ طِــبُّ الـْـجَــرَبْ

-----------------------------------------------------------------

كان صلى الله عليه و سلم أصْـبَرَ الناس،

تــلــَــفــَّـــتْ إلـى الآفـــاق ِ شـرقا و مَـغـربــا فـــلــن تــَـرَ فــي أنــحــائـــها مــن يُـمـاثـِـلـُه ْ
حــثـا مِنْ بـُـذور الـصَّــبْـــرِ فِيْ كـُـلِّ مُـهْـجـَةٍ فـــتـلـك الــتـــي تــَــهـْــفــُــوا إليـْــهِ سـنابـِلـُه ْ

لم يُسْمَعْ بأحدٍ كان أصبرَ و أرفقَ و أرحمَ بأهل بيته منه، مع سُمُـوِّ مَـنزلته عند الله و عند خــَـلــْــقِـه.

جُــمـِـــعــَـتْ لـه مِــنْ عِــقـْـدِ كـُــلِّ فـَـضِــيلةٍ دُرر تـَـــرُوق لــِــغــَــيْـــرِهِ لــَـمْ تــُــجْــمَــع ِ

في الصحيح أنّ عُـمـَـرَ رضي الله عنه قال: "كـُـنــَّــا معشر قريش نـَـغـْــلـِـبُ النساء، فلما قدِمْـنا على الأنصار إذا قومٌ تـَـغـْـلـِـبُـهم نساؤهم، فطفِـقَ نساؤنا يأخـُـذن مِنْ أدَبِ نساء الأنصار"، قال: "فصَـخـَـبْـتُ على امرأتي يوما ً فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني! فقالت: (و لِمَ تـُـنـْـكِــرُ ذلك؟ّ! و لِمَ تـُـنـْـكِــرُ ذلك؟ّ! فوالله إنّ أزواج النبي صلى الله عليه و سلم ليُراجـِـعْــنـَـه، و إنّ إحداهن لتــَـهْــجُـرُهُ الـْـيَــوْمَ إلى الليل)". قال: "فأفزعني ذلك، و قلت: قد خاب من فعل ذلك منهن". قال: "ثم جمعت ثيابي عـَـلـَـيَّ و نزلتُ إلى حفصة فقلتُ لها: أيْ حفصة: أتــُـغاضِبُ إحداكن النبيَّ صلى الله عليه و سلم اليومَ حتى الليل؟ قالت: (نعم). قال: خِـبْـتِ و خــَـسِـرْتِ، أفـتـأمـنـيـن أن يَـغـْـضـَـبَ اللهُ لـِـغــَـضـَـبِ رسولِه فـتهلكين".

أرأيتَ كيف انزعج عُـمَـرُ من مراجعةٍ يسيرةٍ راجعـَـتـُـه بها زوجتـُـه، و النبيُّ صلى الله عليه و سلم يـَـقــْــبـَـلُ مراجعة نسائه و يتحمل غضبهُنّ حتى يهجـُـرْنــَــه اليومَ كـُـلــَّــه. و ما ذلك واللهِ إلا لعظيم صبره و خـُـلـُـقـِــهِ الذي لا يَـحتاج إلى دليل و لا يـُـتـَـطـَــرَّقُ إليه بتعليل و لا يُخـَـافُ على مُحـْـكـَـمِـهِ واردُ نسخ ٍ و لا عارِضُ تأويل، فقد صحَّ مِنْ كــُــلِّ سبيل.

هاهو ذا يُلاطِفـُـهُـنّ في القول و كأن لم يصدر منهن شيءٌ ذو بال،

يقول لعائشة: "إني لأعلم إذا كنتِ راضية ً عنـِّـي و إذا كنتِ غضبى"، قالت: "كيف؟"، قال: "إذا كنتِ عنـِّي راضية ً تقولين لا وربِّ مُحمّـد، و إذا كنتِ غضبى قـُـلــْـتِ لا وربِّ إبراهيم"، قالت: "أجَـلْ، واللهِ يا رسولَ اللهِ ما أهجُــرُ إلا اسْـمَـك".

الــقـــلـــبُ مـنـزلـك الـقــديـــمُ فـإنْ تـَـجـِـدْ فــِـــيــهِ سِـوَاك مــِـــنَ الأنــَـام ِ فـــَـــنــَـحِّـهِ

كان صلى الله عليه و سلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهاتِ المؤمنين بصَحـْــفة فيها طعام، فضَرَبـَـتِ التي كان النبيُّ في بيتها يدَ الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت، فجَمَعَ النبيُّ صلى الله عليه و سلم فــِــلــَـقَ الصحفةِ و جَعَلَ يَجْمَعُ فيها الطعام و يقول: "كـلــوا، غارَتْ أمــُّـــكـم". ثم حـَــبَسَ الخادمَ حتى أ ُتِــيَ بصحفة مِـنْ عِـنـْـدِ التي هو في بيتها فدفع الصحيحة َ إلى الخادم، و أ َمْسَكَ المكسورة في بيت التي كسرتها. صحفة ٌ بصحفةٍ و كأنْ لم يـَـكــُـنْ شيء!

أحــلى و أعـْــذبُ منْ رحِــيْــق ِ السَّــلـْـسَـل ِ تـُـهْدِي إلى الـمَــلـْـهـُــوفِ عـَـرْفَ الـْمَــنـْـدَل ِ

جاء أبو بكرٍ فوَجَـدَ الناسَ جلوسا بـِـباب رسول الله صلى الله عليه و سلم لـَـمْ يُـؤْذ َنْ لأحد، فاستأذن فأ ُذِنَ له، و استأذن عمر فأ ُذِنَ له، فوجدوا النبي صلى الله عليه و سلم جالسا واجـِما ً حولـَهُ نساؤه. فقال عمر: "لأقولــــــنَّ شيئــا أ ُضْحِكُ به النبيَّ صلى الله عليه و سلم"، ثم قال: "يا رسول الله لو رأيتَ بـِـنـْـتَ خارجة َ و قد سألــَــتــْــنِيْ النفــَـقــَـة... فقــُـمتُ إليها فوَجَـأتُ عُـنــُـقــَــها". فضحِكَ رسولُ الله صلى الله عليه و سلم و قال: "هـُـنَّ حولي كما ترى يسألـْــنـَـنِـيْ النفقة". فقام أبو بكر إلى عائشة يَـجـَـأ ُ عُـنــُـقــَـها، و عُـمـَـرُ إلى حفصة َ يَـجـَـأ ُ عُـنـُـقـَـها، كِلاهما يقول: "تـَـسْـألـْــنَ رسولَ الله ما ليس عنده!"، فــَــقــُـلــْــنَ: "واللهِ لا نسأل رسول الله شيئا ليس عنده أبدا".

مُــــعـَـــبـَّــــقــَـة ً بــِـأرِيْـــــج ِ الـْــــــوُرُود مُــسَـــرْبــَــلــَــة ً بــالــْـــحَـــيـَـا و الـنــَّـــدى

هذا خيْــرُ البـَـرِيَّــة يصْبــِــرُ على أذى أهل بيته، تظلُّ إحداهن هاجرة ً له اليوم كله، تهجُرُ اسمه، و تستطيل إحداهن بـِـيَــدِها بين يَـدَيــْـه و تـَـكـْـسِـرُ الصحفة، و هو قادر على أن يـُـفارقــَـهُـنَّ فيـُـبْــدِلــَـهُ الله خيرا منهن كما وعَـدَه ربُّه. و إنَّ كـُـلَّ لـبـيـبٍ سيَـظهرُ له بجلاء لو أنه مكانُ رسول الله صلى الله عليه و سلم ماذا سيفعل في مثل هذه المواقف. لكنه صلى الله عليه و سلم خيرُ الناس للناس و خيرهم لأهله، شعاره: "خيرُكـُـمْ خيرُكـُـمْ لأهله، و أنا خيرُكـُـمْ لأهـْـلـِـي".

فــَــلــَــه ُ الـْـمَــحَــامِـدُ فـِــيْ الـْـمَــلا كــَـالآي ِ تــُــتــْـــلــَـى لا تــُــمـــَــــلّ
و يـُــمَـــلُّ وَجْـــه ُ الـْــبَـــــــدْرِ فِــيْ تــَـــــــــم ٍّ وَ هــــــذي لا تــُــمـــَــــلّ

حـُــثــُّــوا الـْـمَـطِـيَّ فقدْ قضَـتْ أوْطـَارَها و احْـدُوا إلـى هــَــذِيْ الـْـخِـلال ِ قـِطـَارها

"لقد كان لكم في رسول اللهِ أ ُسْـــوَة"

صـَــلــَّــى عــَــلــَــيــْـــهِ اللهُ ذو الــْـــجَـــلال ِ و صــَـــحْـــبــِـــــهِ و حِـــزْبـــِــهِ و الآل ِ

-------------------------------------------------

كان صلى الله عليه وسلم أصْــبـَـرَ الناس،

فــلـِــغــَـيْــرِ الله لــَـمْ يــَـحـْـن ِ الـْـجَــبـِـيْــن و لـِـغـَـــــــيْــرِ اللهِ مــَــا مَـدَّ اليــمــيـــن

صَـبَـرَ في دعوته مُـتــَـمَــثــِّــلا أمرَ ربِّه عز و جل: "فاصبر كما صبر أولو العزم من الرُّسـُـل".

صَـبَـرَ صـَـبْــرَ إبراهيمَ على نـُمْـرُودَ في جَـبـَـرُوتـِـه،
صـَـبْــرَ موسى على فرعون في كبريائه و عُـتــُـوِّه،
صـَـبْــرَ عيسى على بني إسرائيل و قد أجْمـَـعُـوا قــتـْـلـَـه،
صـَـبْــرَ نوح على قومه قريبا من ألف سنة،
صـَـبْــرَ يعقوبَ على فقـْـدِ يوسفَ و أخيه حتى ذهب بصرُه،
صـَـبْــرَ يوسف على كيد إخوته و سِجْن ِ العزيزِ و مـَـكـْــرِ زوجتِه،
صـَـبْــرَ أيـُّــوبَ على الضــُّــرِّ الذي مـَــسـَّــه،

فاجتمع له من دواعي الصبر ما حصل لمجموعـِـهـِـم،

من صبرٍ على الدعوة كـنوح،
والإيذاء كإبراهيم َ و موسى و عيسى،
و على فراق أتباعه الذين هم بمنزلة أبنائه حين هاجروا للحبشة كصبر يعقوب،
و على كيد أقربيه كصبر يوسف،
و على سِحـْــرٍ و سُـمٍّ و ضـُـرٍّ مـَـسَّــه كصبر أيــُّــوب،

حـتـى غــَــدَتْ رايــــة ُ الإسْــلام ِ خــَـافِـــقــَــــــة ً مِنَ الـمـديــنــةِ حتى الصُّــغـْـدِ و الـْـجَـنـَــدِ

قــُـــوَّة ُ الإيْــمَــــــان ِ تــُـحْــيــِـيْ فـــاعــْـــلــَـمَــن وِرْدَ "لا خـَـــوْفٌ عـلـيْــهــِـمْ" فــَـاقـْـرَأ َنْ
قــَــلــْـبـُــهُ مِــنْ "لا تـَــخــَـفْ" قــَــلـْبٌ سَــلـِــيْـــم حـِـيــــن َيـَـمْــضِــيْ نـَـحْـوَ فرعون ٍ كـَلِـيم

يا صبرُ هذا المُـبـْــتــَـدا فأين يا صبرُ الخبر؟!
هل علمتَ أحدا تحلــَّــى بك كما تـحــلــَّــى؟!
كأني بك لو نـَـطـَـقـْـتَ لـقـُـلـْـتَ كلا و ألف كلا.
فما في العالمين له جميعا نظيرٌ كانَ أو سيكون كلا.

الناسُ في الصَّــبْــرِ هـَـضْــبٌ و هو أعالي الجبـال ذو رُتـْـبَـةٍ بَعُدَتْ عن تـَـنـَازُع ٍ و اشـتِـغال

بذل وُسْعَـهُ و طاقـَـتــَـهُ و حَـطــَـمَـه الناس حتى صلى جالسا في آخر حياته،
صدر من بعض المسلمين سوءُ معاملة له بغير قصد فصبر،
مُـنـِـيَ بجفاءِ الأعراب جـِـبــِــلــَّــة ً و غفلة ً و جهلا فصبر،
جَـبَـذه أحدُهم بردائه حتى أثــَّــر في عُـنــُـقِـهِ فأعطاه سُـؤلـَـهُ و صبر وما كـَـهَــرَ و لا نـَـهَــر،
و رَفع الآخرُ صوتـَـه عنده حتى نـَـزلـَـتْ "لا ترفعوا أصواتكم" فصبر،
و سمِعَ مِنْ بعضهم ما يَـكـْـرَهُ و لتأليفهم صبر،
و جحد الأعرابي الآخــَـرُ شراءه منه فرسه حتى شَـهــِـدَ له خـُـزَيمة َ فصبر و ما اكـْـفـَـهَــرّ،
و صَدَرَ غيرُ ذلك مما يَـحْـسُـنُ الصَّــفحُ عنه كتظاهرِ زوجيه عليه فصبر.
ما سُـمِـعَـتْ مِـنـْـهُ كلمة نابـِـيـَـة، و لم تـُـحْـفــَـظـْ عليه بادرة ٌ أو لفظة ٌ جارحة.

فــكــأنـه فــَـلــَـــــكٌ تـَـلــُـوحُ نــُـجُـــومـَـــــــهُ مِـنْ دُونـِـهِ يـَــدْنـُـو الـسُّـها و الفـَرْقـَـدُ

عـَــلــَـيْــهِ أتــَـمُّ أصْـــنــَــافِ الـتــَّــحَــايــَــــــا و أكـْمَـلُ مـا عَلــَـيْـــهِ بــِــهِ يُـصَــلــَّى

---------------------------------------------------------

و بَــعْــدُ... إخـْــوَتِـــي،

هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم،

شـَـمــَـائِـــلــُــهُ اغـْــتـَــدَتْ جـَـــنــَّــاتُ عَـدْن ٍ و لِلإنــْــسَـــان ِ فـيها مَـــا تــَــمَـــنـَّــى

منقولة ٌ محفوظة، كاملة ٌ غيرُ منقوصة، و هي حُجـَّــة ٌعلى الخـَـلـْــق ِ بالبيان ِ العَـمَـلـِـيِّ الحَيِّ مع البيان النـَّـظــَـرِيّ، فهو الصابر المُـحْــتـسِـبُ في كل حال.

قام مَـقــَـامَ اليتيم، و السجين، و المُخـْـرَج ِ مِنْ وطنه، و من مات ولدُه أو زوجُه أو عمُّه أو أبناءُ عمِّه أو قــُــتِــلَ خـُـلــَّــصُ أصحابه بين يديه، قام مَقامَ من أوذيَ و استـُـهِزِئ و سُخِـرَ به، و مَنْ اتــُّـهـِـمَ في صِدْقــِـهِ و عقله و عِـرْض ِ أحَبِّ أزواجه إليه، قام مَـقامَ من وُعِـكَ وعْـكا ً شديدا، و جُرِحَ و افـْـتــَـقــَـرْ، فما جــَـزِع َ و ما اكــْـفـَــهَــرّ.

كـَـلـِـفٌ بــِـالــسُّــمُــوِّ أنــَّــى تــَـجَــلــَّــــــى شــَـامِــخا ً فِــيْ الـْـجــِـــبَــال أو فِـيْ الرِّجَــال ِ

فــكــان لـــنـــا مــنــارا فـِـيْ خـِـــضَـــــم ٍّ و كان حـَـيــَـا ً أغــَــاث َ الــظــَّــامـِــئـِـيــْـــنا

فــيــا خــَــدِيْـــنَ الـْــهَــمّ،

قـدْ خابَ مَنْ حادَ يَــوْما ً عَـنْ مـَـحَــجَّــتِـهِ أمَّـــا الــذي هــُــوَ عَــنــْـها لــَـمْ يَـحِـدْ فـَـنـَجا

يا سَــجـِـيـن َ الـْغـَــمِّ أبْــصِـــرْ و اسْــمَــع ِ مِــنْ رَسُـــــــــــــــول اللهِ لا تــَـحْـــزن و ع ِ
ذلــك َ النــُّــصْــحُ سَـرَى فِــيْ قــَـلــْــبـِـــهِ فــَـغـَــدا الــصِّـــدِّيــْــقُ صِــدِّيقــا ً بــِـــــــــهِ

آنَ أنْ تـَــقـْــطــُـفَ الــزَّهـْـــرَ و تـَـجْــنِــيْ ثــَــــمَــرَ الصَّـــبْـــرِ مـِـنْ رِيَــاض ِ الرَّؤوفِ

ذا صبره صلى الله عليه وسلم، بــيــِّـــنٌ مَــهْــيَــعْ، يـُــثــَــنــَّــى و يُــجْــمَــعْ، و يُحــْـمَــلُ مِــنــْــه ُ مــَـا قِــيْــسَ عـَــلى مَـا يُــسْــمَـعْ.

يـَـعْـلوْ على الـقِـــمَــم ِ الـرَّفِـيْعةِ و الذ ُّرَى و يَــحُــومُ فــَـــــــوْقَ مَــفـَـارق الــْـــجَــوْزاءِ

لـَـمْ أبــْـلــُــغ ْ فيه الـمُـرَاد، و لا وفــَـى اللــِّـسانُ بما في الفؤاد.
الجوارحُ تـَـعـْــتـَـذِر، و الغـَـدُ يـنـتـظـِـر، و ما عسى يَــبْـلـُـغ ُ بـَـيـَـانِـيْ فيهِ و قد راهن الجوزا فــبــَـذ َّهــَـا، و تـخـَـطــَّــى مَــراقـِـيَ الـْــفــَــرْاقـِــدِ فاطــَّــرَحَها إلى ما فوقها و نـَـبَــذ َها. فلو أ َخـْـرَجْــتُ طـيــرَ البلاغة مِـنْ أوكاره، و قــُــلــْــتُ فيه بعُيون الكلام و أبكارِه، ما قــَـضـَـيْــتُ حـقــَّــهُ بَـعْـد، و لا قــُـلـْـتُ إلا بالذي عَـلِـمَـتْ سَـعْدْ.

لـــيـْـتَ شِــعْــري و اللهُ مُـــثــْـن ٍ عـَـلـَـيْــهِ مَــا عَــسَــى جـُــهْـــدُ قــَــائـِــل ٍ أنْ يـَـقــُــولا

هــُــوَ اللــُّــؤلــُـؤ ُ الــْـــمَــكــْــنــُــونُ فِــيْ صَــدَفِ الــصَّــــدَفْ
عـليه صلاة ُ اللهِ ثـُمَّ سلامُه وآل ٍ وأصحابٍ به استكملوا الشرف

----------------------------------------------------------------

بــِـهذا الخـُـلــُـق ِ سَجـَّـلَ أتـبـاع ُ محمد صلى الله عليه و سلم صَـفـَحَات مُضِـيئاتٍ

تـُــشـِــيْعُ نـَـشـَـاطـا ً فِـيْ قــُـوَى الـشـَّـيْـخ ِ و الـْـفــَـتـَى و يـُـغـْــذى عـَـلـيها الطـِّـفـلُ مِـنـَّا و يُـرضـَـعُ

فــَـوقَ الـسَّـمــاءِ خـِــيـَـامُـهـــــــــا مـَـضـْــروبَـــــــة ٌ فـلـِخـَــيْــلِـها مـَـسْرىً هـُـنــَـاكَ و مـَــسْــــرحُ
حـَـيْــث ُ الــنـُّــجُــوم تــُــعَــدُّ مِــنْ حـَـصْـــبَــائـِــهـــا و الـْـبَــرْقُ مِــنـْــهَـــا بـِـالـسَّـــنـابـِـك يـَـقـْـدَحُ

و إنـِّــيْ لأسـْــتــَـنــْــشـِـــيْ شــَـذاهــَـا و عِـطـْــرَهـَـا و أشْــدُوا لــَـــهـَـــا مِـــنْ نـَــشـْــــوةٍ و أ ُوَقــِّـعُ

هــذا أحَــدُ الرَّاشِــدِيْــن، بَـلْ ثــَــالـِــثــُــهُـــم...

ثــَــالـِــثــُــهُـــمْ "عـُـــــثـْـــمَـــانُ" ذو الــنـُّـــورَيْـــن ِ ذو الـْــحِـــلـْـــم ِ و الـْــحَـــيـــا بـِــغـيـرِ مـَـيـْـن ِ
بَـــحـْــــــرُ الــْـــعُـــلــُــوم ِ جَـــامِـــعُ الـْــقــُــــــرْآن ِ مِــنه اسْـــتــَـــحـَـــتْ مَـــلائـِـــك ُ الــرَّحْـمـن ِ

هاجـَـرَ الهجرتين ِ بأهله فصبر،
و مَــرَّضَ زوجـَـتــَـه رُقــَــيـَّــة َ حتى ماتت، و مات عبدُ الله ابنـُـه مِــنــْـها فصــبر،
ثم ماتت أمُّ كلثوم و انقطع بموتها صِــهْــرُهُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فصبر،

و ذِيْ هِــيَ الــدُّنــْـــيَـــا و ذا حَـــالـُـهــا
مــاتــَـبْــتــَـغِــيْ يَــنـْـأى و يـَـدْنــُــو الذي عـَـزَّ، و إنَّ الـْـعَــيْــشَ كــَـرٌّ و فــَــرّ

مـــا غـَـــيَّـــرَتْ تـِــبْـــرا ً حَـــــــرَارَة ُ حَـــرْقـِـــهِ كـَلا و لا أخـْـفـَـى الظـَّــلامُ الـْـفـَـــرْقــَــدا

حاصَـرَهُ الـْــهَــمَــجُ الرَّعــَـاع ُ السَّــفــَــلــَـة ُ الأراذِلُ الـْـغـَـوْغــَـاء، و تظاهروا و تآمروا و تنابحوا و تــَــضــَـابَــحـُــوا، و عَوَتْ عليه كلابهم،

تــَــــــنــْـــبَــــحُ أحـْــيــَـانــا ً و أحـْــيَــانا ً تــَـهـِـــرّ وتــَــتــَــمَـــطــَّــى سـَاعـَــة ً و تــَـقـْـدَحِـرّ

مـَـنـَـعُـوه الشــَّــرابَ من بئر رُوْمَـة َ، و هو الذي اشتراها للمسلمين بخيرٍ منها في الجنة و له دلـْــوُهُ فيها مع دلائهم.
مـَـنـَـعُـوه من الصلاة في مسجد نـَـبـِــيـِّــه، و هو الذي اشترى بُـقــْْــعَــة ً من أهـْـلِـها بخير منها في الجنة و زادها فيه.

و هو صابرٌ مُـصابـِـرٌ يأبى أن يَـدْفـَـعَ عنه أصحابـُــه و يقول: "لا أكون أول مَنْ خـَـلـَـفَ محمدا صلى الله عليه و سلم فِـيْ أ ُمَّــتِــهِ بالسَّـيْـف".
يفتدي الأمّة بنفسه و هو يَستحضِــرُ بـِـشـَـارة َ النبي صلى الله عليه و سلم له بالجنة على بلوى تـُـصِــيْــبُـه،

قــدْ صَــبَـــرَ الــنــَّـــفــْــسَ عـَـــلــَـى مــا بــِـهَـــا و انــــتــَـظــَـرَ الـْمَــوْعــُــودَ مـِــنْ ربِّـــه

و يَـرى في الـْــمَــنام رسولَ الله و أبا بكرٍ و عُـمَــرَ يقولون: "إصْــبـِـــرْ، فإنك تــُــفــْــطِــرُ عندنا الـْــقـــَــابـِــلــَـة".

فأصبَحَ صائما ً و نـَـشـَـرَ المُـصْـحَــفَ بـَـيْــنَ يديه، و دخل عليه السَّــبـَـإيـُّــونَ المجرمون و قد أجمعوا أمرَهم و مكروا مكرَهم "و عِـنـْـدَ الله مكرُهم". فقال رضي الله عنه: "بيني و بينكم كتابُ الله"، فأبـَـوْا و أعْــرَضـُـوا،

صُــمــَّــــتِ الآذانُ عــَـــنْ ذاكَ الـْـــبَـــيــَـــــــــانْ ضـَـاع َ فِـــيْ ضـَــوْضائـِـهـِمْ ذاكَ الأذان

و أهـْــوَوا بــِــالسَّــيْــفِ على ذي الثــَّـمانين، فـاتــَّـقــَـاه باليمين، فــَـقــُــطـِــعَــتْ و واللهِ إنها لأوَّلُ كـَـفٍّ خـَــطـَّـــتِ الـمُــفــَـصَّــلَ المُبين. ثم تناولوه بالسيف و المصحفُ بين يديه لـيَجرِيَ الدَّمُ على قول الله: "فــســـيــكــْــفِــيْــكـَـهُــمُ الله"، و يلقى الله.

فـَـغــُــوْدِرَ مـَــقــْــتـُـــولا ً بــِــغــَــيْـــرِ جـَـرِيْــرَة ً ألا حـَــبـَّــذا ذاك الـْــقــَـتـِــيْـــلُ الـْمـُـلــَـهَّــبُ
قــَـتِــيْـــلٌ شــَــهـِـــيْــدٌ مـُـؤْمـِــنٌ شـَـقـِـيَـتْ بـِــــــهِ نفـــُـوْسُ أعَـــادِيْــــهِ صـَــبُـــورٌ مـُــطــَــيَّـبُ

و لـَـقِــيَ الله، و إنــَّــهُ لـَـيُــحْــيــِـي الليلَ بـِـرَكــْـعَــةٍ يـَـجْــمَــعُ فـِـيْــها القـُـرآنَ كـُـلــَّــه.

و كـــَـــانَ الـْـبـَـــحْـــرُ فــَـوْقَ الأرض يـَــمـْـــشِـــيْ فــَــعَـــادَ الــْــبَــحْـــرُ مِــنْ تــَــحْــتِ التـُّرابِ

-----------------------------------------------------------

بهذا الـْـخـُـلــُـق تـَـلــَـقــَّـتْ امرأة ٌ مُـسْـلـِـمة ٌ خـَـبَــرَ فـَـقــْــدِ ابنِها و أبيها و زوجها و أخيها مع رسول الله يوم أ ُحُـدْ، فلما نـُـعُــوا لها لم تكـْـتــَـرِثْ، بل ظلــَّــتْ تسأل: "ما فـَـعَــلَ رسولُ الله صلى الله عليه و سلم ؟"، قالوا: "يا أم فلان، هو بحمد الله كما تــُـحِــبِّــيْـن"، قالت: "أرونيه"، فأ ُشِـيْرَ إليه، فلما رأته قالت: "كــُـلُّ مصيبةٍ بـَـعْــدَكَ جـَـلــَـلْ".

كادت تـَـسِــيْـلُ بلاغة ً وفصاحة ً في كـُـلِّ وادْ، حالـُها:

قــَـــدْ أسـْـكــَـــنَ اللهُ فـِــيْ قـَـلبيْ مـَــحـَــبـَّــتــَـكـُــم تـُــجْـلـى هـُـمُــومـِــيْ بـرؤياكـُم و تـَـنـَـجَـابُ

---------------------------------------------------------

على هذا الخـُـلـُـق كان العُـلماءُ رحمهم الله يمتطون المصاعبَ و الشدائدَ في سبيل نشرِ و تحصيل ِ عِـلـمِـهم و حُداؤهم:

لـِـلـْـعـِــلــْــم ِ فــَــضـْــلٌ لا يُـحَـدُّ و يُـحْـسَــــــــــبُ يـُـمْـضـَـى الـْمَـطِـيُّ لهُ و يُـطـْوى السَّـبْـسَـبُ

فــَــهُـــمُ مـَــنــْــجَـــمُ صَـــبْــــرٍ و عـُــــــــــــــــلا بـُـورِكَ الـْــهَـــدْيُ و يــَـــالــَــلــْــمَـــنـْــجَـــم ِ

"ابنُ كـثــيـر" و هو يؤلـِّـفُ "جامع المسانيد" مازال يكتب فيه في الليل و السِّـراجُ يـُـنـَـونـِـصْ حتى ذهبَ بصرُه معه.
و صـَـنــَّــفَ "البخاريُّ" "الصَّحيحَ" في ستَّ عشرة سنة، و صنـَّـفَ "التاريخ" في الليالي المـُـقــْـمِــرَة في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم.
و المسجد فراشُ "عطاء" عشرين سنة.
و ما فــُــقِــدَ "ابراهيم الحَرْبـِـيّ" من مجلس عـِـلــْــم ٍ خمسين سنة.
و رحل "ابن القاسم" من مصرَ إلى المدينة و زوجه حامِـل، فأناخ بباب مالـِـكَ إلى أن أتاه ابنــُـه الذي كان حَـمْــلا حِــيْـنَ رحَـل، يَسألُ عنه و عُمْـرُهُ سبعة عشر عاما ً.

لا يــَــطــْــلــُــبُ الــْــعـِــلــْـــمَ إلا بــَــازِلٌ ذ َكــَـرُ و لــَــيْـــسَ يـُــبْـــغِـــضـُــهُ إلا الـْـمَـخـَـانـِـيْـثُ

أسـَـرَ الرُّومُ "مـحمد ابن عبد الباقي" فـَـتـَـعـَـلــَّــمَ اللــُّــغـَـة َ الرُّومِــيَّــة َ و الـْـخــَـطــَّ الرُّومِــيَّ و الـْــقــَـيـْـدُ في رجليه و يديه.
و طـَـوَّفَ "بـَـقـِــيُّ" المشرق و المغرب على قدميه، و نشر السُّــنــَّــة َ في الأندلس و قال: "لقد غـَـرَستُ لهم غرسا لا يـُـقــْــلــَـعُ إلا بخروج الدَّجـَّـال".
و"ابن حـَـزْم ٍ" يـُـعـْــلـِـنُ مـُـنــاه:

مــُــنـــايَ مـِــنَ الـدُّنــْــيـــا عـُـــلــُـومٌ أبـُــثــُّهــــــا و أنـْــشــُـرُهــا فــِــيْ كــُــلِّ بـَـــادٍ و حَــاضـِـــرِ
و ألــْــزَمُ أطــْــرَافَ الــثــُّــغـُـــــوْرِ مـُــجَـــاهـِــدا ً إذا هـَــيْــعَــة ٌ ثــَــارَتْ فــأوًّلُ نـــَـافــِــــــــــــــرِ

و هـَـذا شـُــغـْــلُ الـشــَّــيْـخ "مـُـحَـمَّــد الأمِــيْن ِ الـشــَّــنـْــقــِــيْـــطِـيّ":

و لـِيْ شــُــغـْــــلٌ بــِــأبــْــكــَــارٍ عـَـــــــــــــذارَىْ كـــأنَّ وُ جــُــوهــَــهــــا غــُــرَرُ الــصَّــبــَــاح ِ
أراهـــا فـِـيْ الــْــمـَــهــَــارِق ِ لابـِــسَـــــــــــــــاتٍ بـَـــراقـِــعَ مـِــنْ مــَــعـَـــانـِــيْـــهـَـا الصِّــحــَـاح ِ

و الــْــعِـــلــْــمُ لا يـُـــدْرِكــُــهُ مـُــوْلـــَـــــــــــــــعٌ بـِــلــَــثــْــمِــهِ الـْــحَــسْـــنــَـاءَ ذاتِ الـلــِّـــثــَـام

و "ابـْـنُ مـَـنـْـدَه" رحل في طلب العلم و عمره عشرون، و رجع من رحلته و عمره خمسٌ و ستـِّـون، فكانت رحلته خمسا ً و أربعين. لما عاد تزوَّجَ و رُزِقَ الــْـوَلــَـدَ و حـَـدَّثَ بـِــالـْــكـَـثـِــيْـر.

صابــَـرَ الصـَّـبْــرُ فاستــَـغـَـــاثَ بــِـهِ الــصَّــبْــرُ فــَــقــَـــال الصَّــبُــورُ يـا صَـبـْـرُ صـَــبْـــــرا

و لـَـوْلا اغـْـتِــرَابُ الــْــمِـسْــكِ ما حَـلَّ مـَـفـْـرِقــــا و لولا اغـْـتـِـرابُ الــدُّرِّ ما حـَــلَّ فـِــيْ الـتــَّاج ِ

و لا أنــْـسى الشيخ َ "ابنَ جــِــبْــرِيْــن" عليه رحمة ربِّ العالمين، سـَــخــَّــرَ من عـُـمْـره للدعوة إلى الله سِــتــِّــيْــن، و كان يُـلـْــقِـيْ ثــَـمانية َ عَــشـَـرَ درسا في الأسبوع و هو ابن الثمانين. يَـصْــدُقُ فيه فيما أحْـسَــبُــه:

ســَــعــَـــى فــَـلــَـمـَّـــا ظــَـفِــرَتْ بـِـالــْــمُــنــَــــى يـَــمِــيْــنــُــهُ ألـْـــقــَـى الـْـعَـصـَـا و اسْـتـراح

و صِـنــْـوُهُ الــشــَّــيْــخُ "عبدُ الرزَّاق عـفـيـفي"، نـزلـَـتْ به مصائبُ عُظمى فما تضعضع و ما شكى. أ ُصيبَ بشلل ٍ نِـصْــفِــيٍّ و عافاه الله، و قــُـتِــلَ ابنـُـه أحمد في حرب رمضانَ مع اليهود فتلـقــَّـى الخـبَـرَ في ثباتٍ أذهـَــلَ مُــحِــبـِّــيـْـه، و تــُــوفـِّـيَ ابنـُهُ عبدُ الرحمن ثــُـمَّ عبدُ الله فجأة، و سافرتْ زوجـُـهُ لـِـمِــصْـرَ و مـُـنـِـعَــتْ من العودة مُــدَّة ً طويلة، و ابـْــتــُـلـِـيَ بـتـَـعَـطــُّــل إحدى كــُـلـْــيـَـتــَـيـْـهِ و ضـَــعْــفِ الأخرى مع الضغط و السكر، و هو صابـِـرٌ لم يـُــثـْـنـِـهِ كـُــلُّ ذلك عن طلبِ العلم و تعليمه و إفادة الناس إلى آخرِ أيام حياته.

تباركَ اللهُ ماذا تـَـبْــلــُـغ ُ الـْـهــِــمَــمُ...

مَـازلــْــتُ بـالــسَّــمْـــع ِ أهــْـواهــُــمْ و ما ذ ُكِــرَتْ أخـْـــبَــــــارُهــُـم قــَــطـُّـ إلا مِلــْـتُ مِنْ طرَبيْ

عـَسـَــى اللهُ فـِــيْ الــجَـــنــَّــاتِ يـَـجْــمَــعــُــنا بـهـِمْ فـَــكــُــلُّ امـْـرئ ٍ مِـــنــَّـــا بــِـذلــــك طــَـامـِـعُ

-----------------------------------------------------------

بـهذا الخـُــلــُـق تـخــَــلــَّــقَ "والدي" رحمهُ الله - فيما أحسبه - طيلة حياته، صبورٌ شكورٌ للمُهيـْـمِـن ِ طائعُ.

تـَـعـَـلــَّــقَ قلـبُه بمسجده و مصحفه، داوم على الأذان في مسجده ثـِـنـْـتـَـيـْـن ِ و ثلاثين سـنــَــة. كان آية ً في ضَبْطِ وقـتـِه و بقائه في المسجد أكثرََ من بقائه في بيته، و البقاءُ بعد الفجرِ فيه إلى ارتفاع ِ الشمس ِ ذاك َ ديدنــُـه حتى في يوم وفاته، فالمسجد بيتـُـه قــَـبْــلَ بـيـتـِه.

اللهُ يــَــجـْـــبــُـرُ بـَــعْـــدَهُ الأحـْــبـَــــــــــــابَ و الـْــمَــسْـــجــِـــدَ الــْـمَــحْــزونَ بــابــا ًبــابــا

لم يـَـترُكْ قيام الليل في الحَضـَـر و السفر و الصحة و المرض. فحين أصابه مرضٌ قبل وفاته بـِـعـَـام كان يـُـصَــلــِّــي على جنبه، و أ ُدْخِل الـمـَـشـْـفـى ليلة ً فقام يعتمِدُ على الجدار حتى توضأ و عاد و قام قيامَه المُعتاد. و صبر و صابر على حِفـْـظِ لسانه، فكلامه يكاد يُـعـَـدُّ في اليوم و الليلة.

فــَـصـِــيْــحا ً إذا مـــا كــَـانَ فـِـيْ ذِكــْــرِ رَبـِّـهِ و فيْما سـِــواه فــِــيْ الـْـوَرَى كــَـانَ أعـْــجـَـمـا

أ ُصِــيْـبَ في أقربِ الناس إليه ابنِهِ الأكبر و أبَـوَيه و أخـَـوَيه الأصغرِ و الأكبر، و كـُـسِــرَتْ رِجْـلـُـهُ و حُـمَّ سَــنــَـة ً كاملة، و انفجر فيه بارودٌ بـُـتـِــرَتْ أصابع يده اليُسرى على أ َثــَـرِه، و أ ُصِـيــْــبَــتْ عيناه و ضَعـُـفَ بَصَرُه، و بقيت بعضُ الحصى في جسده حتى لقيَ ربَّه. و ما عُهــِـدَ عنه غـَـيْــرُ الصبر و الحمد و الاسترجاع و الرِّضا، و لم يُــحَــدِّثْ بذلك أحدا ً.

لــَــوْ كــَـانَ فــِــيْــهِ الــْـمَــوْتُ يـَـقـْـبَــلُ فِــدْيـَـة ً كــَــانَ الـْـفـِــدى أهــْـــلـِــيْ و أوَّلــُــهُـــمْ أنــــا
رَبِّ اسْــــق ِ تـلكَ الــرُّوحَ مِــنْ سـُـحُــبِ الرِّضا واجـــعــــلْ لـــَــها جَـــنــَّــاتِ عـِـدْن ٍ مَـسْـكـَـنا

---------------------------------------------------------------------

بهذا الـْـخـُـلـُـق ِ عاشَ أسَـدُ الصحراء – بشهادة الأعداء – "عـُـمَـرُ المُخـْـتــَـارُ" يجاهد المُحـْــتــَـلَّ الإيطاليّ، صابرا ثابتا.

يـُـــعَــــــــــــــــــــــرِّفُ أعــْــداءنـــا أنــَّـــنـــا عــَــمــَـــالـِــــقــَــة ٌ لا نـَـهــَـابُ الــــــــــرَّدى

فـَـقــَـدَ كثيرا من رفاق دربـِه في ساحات الـْـوَغـَـى فصبر.
فـَـقـَـدَ المختارُ ابنَ شقيقه الذي هو بمنزلة ابنِهِ فاحتــَـسَـبَـه، و قال لمُعـَــزِّيه: "كل مجاهدٍ عندي بمنزلة ابن ِ أخي".

لـَــقـدْ سكـَــنــُــوا الـْـــقــَــلــْــبَ حـتى غــَــدا مــَـــثــَــــــابــا ً و لـَـمْ يـَـبْـــرَحــُـوْهُ و لــَـنْ

ظــَـلَّ الأسَدُ الهَـصُورُ يُجاهِدُ المُحـْـتــَـلَّ و يـُـنــَـازِلـُـهُ حتى أ ُصِـيْـبَ و وقع أسيرا، قائلا ما فحواه: "ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله".

لا هُــمَّ مـا لـِـيَ غـَـيْـرُ مـَـحْـــض ِ الرِّضـَــا مـــــــا أنــــا صـَـــخــَّــابٌ و لا غـَـاضـِـبُ

و أتاهُ الـْمُـحـْــتــَـلُّ ببعض أصحابه فلما رآه نظر له بـِـحِــدَّةٍ و قال: "ما جاء بك؟"، قال: "جـِـئــْـتُ بناءا على طلبك". فكالرَّعْـد القاصف دوَّى قائلا: "ما طلبتــُــك، و لـَـمْ أطلــُـبْ أحدا و لا حاجة لي عند أحـد".

مـــا قـــال ذاك تــَــكــَــبُّــرا ً بـَـلْ عِـــــــــزَّة ٌ فيْ الــنــَّـــفـْــس ِ و هِــيَ سـَـجـِـيَّة ُ الرِّئـْـبَـال

و لـَـمَّــا قــِــيْــلَ لصاحبه: "كيف وَجَـدْتـَـه؟"، فقال مُـتـَمَـثــِّـلا:

عليــهِ ثـِــيَـــابٌ لو تــُــقــَـاسُ جمـِــيْــعُــهـــا بـِــفــَــلـْـس ٍ لكانَ الفــَـلـْــسُ مـِـنـْهُـنّ أكـْـثرا
و فــيــهـِــنّ نـَـفـْـسٌ لـو تــُــقــَـاسُ ببَعْـضِـهـا نــُــفـــُـوسُ الـْــورى كــَـانـَتْ أجـَـلَّ و أكبرا

و يا هـَولَ ما تـَـلــْــقــى الـنــُّــفــُـوسُ الأبـِـيَّــة ُ الكريمة حين تــَـظــْــفـَــرُ بها الــنــُّــفـُـوسُ الـْـحَـقـِـيْـرة ُ الخسيسة. حكموا عليه بالإعدام و هو ابن سبعين،

سـَــبْـعِـين لــَــوْ رَكـِــبَـتْ مَـناكِــبَ شـَاهِـق ٍ لـتــرَجــَّـــلـَــتْ هــَـضَــبـَـاتـُه إعْـيـــــــاءا

حينما تــُـرجــِـمَ لهُ الـْـحُــكـْـم قــَــهْــقــَـه َ قائلا: "الحُــكـْــمُ حــُــكـْــمُ الله، لا حـُـكـْــمُــكــُـمُ المُــزَيـَّــفْ"، حاله: "و ما كان لـِـنــَـفـْـس ٍ أنْ تــَـمُــوتَ إلا بإذن الله"، و تقدم في هدوءٍ على مَـشـْـهـَـدٍ مِـنْ قومه يُـردِّدُ: "أشهد أن لا إله إلا الله".

فسـَـرَتْ بـِـرَيـَّـــاهـَـا الـصَّــبـا و الـشـَّـمـْـألُ فـــمـُــكـَـبِّــــرٌ لسَــمــَــاعِـها و مُـهـَـلــِّــلُ

و لقي فيما نحسبُه ربَّ الـْـبَــرِيــَّــة في أسْـمَى و أعـْـلــَـى معانِيْ الحُرِّيــَّــة، و حالـُـه:

مـُـذ ْ عرَفـْتُ اللهَ لمْ أضْـعَــفْ لمَـخـْـلوق ٍ و لمْ أرْتــَـجـِـــيْ مـِــنْ غـَـيْر ربِّـــي مـــــددي
أيـُّـها الـْـقاتـِـلُ يــــومِــــــــي بـُـؤ ْ بـِــــــــــــهِ أنتَ لا تــقــْـــوى عَـــلى قــَـتــْـل ِ غــَـدِي

--------------------------------------------------------

بهذا الخـُـلـُـق ظـَـلَّ "ابنُ تاشفين" مجاهدا صابرا مُصابـِـرا لـِعـِـشْـرين، حتى وحـَّـدَ دُويلات ِ المغرب المُمَزَّقــة في دولةِ المُرابطين، و حاله:

مِـنــَّــا الـزَّمـــانُ و خـَــطـْــبُــهُ يــَـتــَـعـَــلــَّــمُ نحْنُ الـشـِّــفــَـاءُ لـِـجُـرْحِـهِ و الـْـبــَـلـْـسَـمُ

لما تسلـَّـطـَ النصارى في أسبانيا و أوروبا على المسلمين استغاث ملوكُ الأندلس بابن تاشفين، فدعا إلى النــَّــفِــيْر و اجتمع له خلقٌ كثير، و ركِبَ البحرَ و عبر إلى الـبـَـرِّ.

الـْخــَــيْــلُ تـَـصْهَـلُ فـِيْ الـْمـَـرابـِـط ِ حَـولــَـهُ هــَـاتـِـــيـْــكَ شـَـيْــظـَـمـَـة ٌ و هذا شـَيْظـَمُ

و أعْـلـَـنَ ألـْـفــُـونـْس النفير في صليبيـِّـي أسبانيا و أوروبا فاجتمع له الكثير و الكثير و الكثير، فأخذه الزَّهـْوُ و الغــُـرُور فقال: "بهؤلاء أ ُقـَـاتـِـلُ الجِّنَّ والإنس"... و مَــنْ يــَـغـْــتــَـرِرْ يــَـخـْـسَــأ ْ و يَــرْجــِـعْ بــِـذِلــَّــةِ.

فأرْسَـل له ابن تاشفين: "بلغــَـنا أنكَ تمنيتَ أنْ يكونَ لكَ فــُـلـْــكٌ تـَـعْـــبُـرُ بها البحرَ إلينا، فها نحنُ جـُـزْنـا إليك و جَمَعَ اللهُ بيننا و بينك"، فغضِبَ و أرسَـلَ رسالة يتهدَّدُ فيها و يتوعَّـد، فلما وصلت الرسالة ُ قــَـلــَـبَـها ابنُ تاشفين و كتب على ظهرها ثلاثَ كلماتٍ كالـشـُّـهـُـبِ الـْـمُـحْـرِقـَة يقول: "الذي يكون ستراه".

اعتلى ابنُ تاشفين ظـَـهْـرَ جوادِه و هو في الثمانين،

كـــأنـِّــيْ بـِـهِ فـِـيْ الــشـَّــرى واقـِـفـــــــــــــا ً تــَـهـَـابُ الـْـعِــدا فــِــيْ الـْـحُــصُـون ِ دَوِيـَّـهْ

و بدأتْ معركة ٌ عنيفة، استدرجهم البطلُ المـِـغـْـوار في خـُـطــَّــةٍ ذكـِـيَّـة، هـَجـَـمَ على مؤخـَّـرةِ العدوّ و نفــَـذ َ إلى قلب جيشهم بكتيبة الأسُودِ الأبـِـيـَّـة، ليقضيَ على ما لديهم مِنْ مقاومة صليبية بأيدٍ حنيفيـَّـة، عـَـقــَـدَتْ تاجَ العِـزِّ المَـعْـصُـوب و حَـكـَمَت عوامِـلـُها بخفض ِ الصَّـليب المنصوب.

و أجْـفـَـلَ الـْـفـُـوْنـْـس إجفالَ الرَّال، و طـَـفـِـقَ إذا رأى غـَـيْرَ شيءٍ ظـَـنـَّـهُ رجُلا ً بـَـلْ رجال، و لاذ َ مُـقاتِـلوا الجن و الإنس بالفرار تحت ظلام الليل مع خمسمِائةٍ مِنَ الفـُرسان، هـلـَـكَ منهم في الطريق أربعُمائة، و ما وصل إلى طـُـلــَـيْــطِــلــَـة َ معه سِوى مِائة.

خـُـفِـضَ الفاعِلُ مِـنـْـه و نائـبُه، و قــُطِـعَـتْ عن الموصول صِـلــَـتـُه، و فـُـتِـحَ له بابُ الاستغاثة و النـُّـدْبـَـة، و ذ ُهِـلَ عن التمييز و النـِّـسْـبَة، و سال منه العَرَق، و اشتد به الأرَقْ، و حـَـلَّ بسُـوَيـْـداهُ الـْـفــَـرَق، و أدْرَكــَـهُ الغــَـرَق، فـَـحَــلــَـقَ رأسَه و لحيتـَه و نـَكـَّـسَ صليبَه و أقـْـسَمَ لا ينام على فراش ٍ و لا يَـقــْـرَبُ امرأة و لا يَرْكــَـبُ دابـَّـة ً حتى يـَـأ ْخـُـذ َ بثأره.

يــَــجُـرُّ ذ ُيُولَ الـْـخـِــزْي ِ طــَالــِــبَ رِفـْـعَــة ٍ ألا فاعْجَــبُــوا مِــنْ طـَـالِـبِ الرَّفـْع ِ بالجـَـرِّ

و هيْهات... ما استطاع ابنُ الكافرة أن يفعل شيئا، و قد تشتـَّـتَ منه الـْجَـمْع، و أ ُجْـرِيَ الدَّمع، و ضَعُفَ بصرُه و السَّـمْـع، صُّرِّفَ أسْوأ تصريف، و ذهَبَتْ منه أداة ُ التـَّعْـريف، و ارتفع شأنُ المسلمين و انخفض شأنُ الصليبيّين، و بقيَ الإسلامُ في الأندلس مئاتِ السِّـنين، و المسلمون في نصر ٍ و تمكين.

عاشُوا أعِــزَّاءَ مِلـْئ َ الأرض ِ ما لـَـمَـسَــــتْ جــِـــــــبَـــاهُــهُــمْ تـُـرْبَها إلا مُـصَـلـِّـيْـنـا

--------------------------------------------------------

بهذا الخـُـلـُـق ِ قام الرَّبــَّــانــِــيـُّــونَ "الآمِـرونَ بالمعروف و الناهون عن المنكر" بصيانة سفينة الأمّة أنْ تغرق في اللـُّجــَّــة. فلم يسمحوا للشــَّــرِّ أنْ يُصبح عـُـرْفا ً مألوفا، أو سهلا ً يَجـْـتــَـرِأ ُ عليه كل ذي هوى، فدينُ الله هو دينُ الله، و الخارجين عليه عـَـلــُـوا أم سـَـفــُــلــُـوا سواء.

هاهو "الغزاليّ"، هـِـمَّــة ٌ فوق السِّــمَـاكـَـيْن و رِجـْـلٌ في الصَّــعـِــيْــد،

و كــذاكَ الــسَّـــيْــفُ فـِــيْ الــْــغِــمْــدِ و يــَـعْــلــُـو كــُــلَّ جـِـيْــدْ

يَـصْـدَع ُ بـِـمُــرِّ الـْحَـقِّ في بيان ِ (سِـنـْجـَـرَة َ حـاكـِـم ِ خـُـراسانَ) قائلا: "إنّ رقاب المسلمين كادت تــَــنـْـقــَـضُّ بالمصائب و الضَّرائـِـب، و رقابُ خيلـِـكَ تكاد تــَــنـْـقــَـضُّ بأطـْـواق ِ الذ َّهـَـبِ و الجواهر، إتــَّــق ِ الله"... و حذ َّرَهُ عِــقــَـابَ اللهِ و غضبـَـهُ و بطشــَـه، و لإعـْـلاء رايةِ الحقِّ يَمـْـضِــيْ، لا يُبالِيْ بخائن ٍ أو جبان ِ.

يقولُ قريبا مِنْ هذا لـِ (نـِـظـَـام ِ المُــلـْــكْ)، ثم يقول له: "و اعلم أنّ هذه الكلماتِ لاذعة ٌ مُــرَّة ٌ قاسية، لا يَـجـْــرُؤ ُ عليها إلا من قــَـطـَـعَ أمَـلــَـهُ عن جميع الملوك و الأمراء فاقـْـدُرْها قـَـدْرَهــَـا فإنــَّـــكَ لن تسمعْها من غيري. و كلُّ من يقول غيرَ ذلك فاعلم أنّ طمَعَه حِجَابٌ بينه و بين كلمةِ الحقِّ".

بـَـلــَـغــَــتِ الــْـمُــدْيــَــة ُ الــْـــعَــظــْــم و بــَــلــَـغ َ الــسَّـــيْـــلُ الــزُّبــــا

كلماتٌ يا مَعاشِر الإخـْـوة في مثلها أوذي و سُجـِـنَ "أحْمَـد"، و جُلِدَ "أبو حنيفة"، و ضُرِبَ "مالك"، و حُبـِسَ "شيخُ الإسلام" و غيرُه من علماء الإسلام.

لا يـَــعـْــبـَــؤونَ بــِــحَـــادِثٍ مــَـهْـــمــا دهـــــــــا فــَــهُـــمُ و مــا تــَــلـِــدُ الـدَّواهــِـيْ تــَـــــــوْأمُ

و الأمّة ُ اليومَ تـنحدِرُ مِـنْ هاويةٍ في هاوية، و ليس لها إلا الجبالُ الشـُّــمُّ التي تــَـصْـدَع ُ الرؤوسَ بالحقِّ، ابتغاءَ وجهِ الحقِّ، و تقولُ (لا) عندما يُعـْــلــَـنُ غيرُ الحقّ.

إنَّ مــَـنْ يــَــجـْــبـُـــنُ عــَـنْ (لا) رَهـْــبَـــــــــــة ً فـــَـهُـــوَ لا يــَــقـْــــوى عـلى قــَــوْل ِ نــَــعَـــمْ

--------------------------------------------------------

أيـُّـها الـْــجــِــيْــل،

مـَـضـَـى الـــسَّـلــَـفُ الأبـْـرارُ يـَـعْـبَـقُ ذِكــْــرُهــم فــســيــروا كما سارُوا على الدَّهــْـر و اصْـنعوا

إحْــمــِــلــُــوا دِيـْــنــَــكــُــمْ بــِـكــُــلِّ اعْـــتــِــزاز و ثــَــبـَــاتٍ، لا تــُــخــْـدَعُــوا بــِـسَـــــــــــرابِ

"ادع ُ إلى سبيل ربِّــكَ بالحكمةِ و الموعظةِ الحسنة"
"و أ ْمُرْ بالمعروفِ وانـْـه َ عن المُـنـْـكـَـر و اصبــِــرْ على ما أصابك"

البابُ مفتوحٌ لكل مسلم ٍ أنْ يقولَ و يفعلَ ما يَعْـلـَم، و لا يَجـْــتــَـرِأ َ على ما لا يَــعـْــلــَـمْ، و الأعْــلــَـمُ يـَـقــُــودُ مَنْ دونـَـه و الأقـْـدَرُ يـَـقــُـودُ مَـنْ دونــَـه.

إنْ لـَــمْ نــَـدْع ُ دُعـِــيْـــنـــا، و إنْ لــَــمْ نــُــبـَــادِرْ بــُــودِرْنـــــــا

لـِـنـَـجْـتــَـمـِعْ فـنسـْـتـَـمِــعْ فـنـَـنـْـتــَــفِـعْ فـنــَـنـْـدفـِـعْ، و نـَصْـبــِــرْ و نـُــصَــابــِـرْ، و لـْـنـُـصْــلِـحْ ما بيننا و بين الله لـِـيُـصْـلِـحَ ما بيننا و بين خـَـلـْــقــِــه.

و إذا صَــــفــَــتْ للهِ نـِـــيـَّــــة ُ مـُــصْـــلِـــــــــح ٍ مـَــالَ الــْـعــِــبَــــــادُ عـَــلـَـــيْــــهِ بـــالأرواح ِ

--------------------------------------------------------

أيـُّـها الـْــجــِــيْــل،

إدَّرِع ْ بالصَّـبـْــرِ في طول ِ الطــَّــريق
إنَّ مــُــرَّ الصَّـــبْــرِ يـَــغـْــدُو كــالــرَّحـِـــيْـــق
حـِــيْــنَ تـَــحْــظــَـى بـِــبـُــلـُـوغ ِ الأرَبِ

الصَّـبْــرَ الصَّــبْــرْ، صارمٌ لا يـَـنـْـبُـو، جوادٌ لا يَـكـْـبُو، جُـنـْـدِيٌّ لا يُهـْـزَمْ، حِصْنٌ لا يُهْـدَمْ، عُـدَّة ٌ في الـْـبَـلاء، زادٌ في الابتلاء، و عظيمُ جَـزاء.

"إنـَّـما يـُـوفَّ الصابرون أجرَهم بغير حِسَاب"

ليس يُوزنُ لهُمْ و لا يـُـكــَــالْ، إنـَّـما يُــغـْــرَفُ لهم غـَـرْفا ً بغيرِ حِـسَـابْ.

"مَنْ يُرِدِ الله به خيرا ً يُصِبْ منه"
"و ما يُصِـيبُ المسلمَ منْ نـَـصَـبٍ و لا وَصَبٍ و لا هـَـمٍّ و لا غـَـمٍّ حـتى الشوكة َ إلا كـَـفـَّـرَ اللهُ بها خطاياه"
"من ماتَ له صَـفـِـيٌّ فاحتسَـبــَـه لم يكــُـنْ له جزاءٌ إلا الجـَـنــَّــة"
"أمْ حسبتم أنْ تدخلوا الجنة و لمّا يعلم ِ اللهُ الذين جاهدوا منكم و يعلمَ الصابرين"

صبرا ً على طاعة الله، و عن معصية الله، و على أقــْــدار الله، أ ُسْوة ً برسول الله، و طمعا ً فيما وعَدَ به الله:

"و جزاهُم بما صبروا جَـــنـَّــة ً و حريرا"
"و بشـِّــرِ الصابرين"

و كــُــــل ُّ مُـــصـِـــيْــــبـَـــةٍ عـَـظـُـمَــتْ و جَــلــَّــتْ تــَــخِــــفُّ إذا رَجــَــوْتَ لــهـا ثـــــوابـــــــــــــا

--------------------------------------------------------

أيـُّـها الـْــجــِــيْــل،

خـُـذ ْها من المُخـْــتار يُخاطِبُ بها الصحابة َ الأبرار: "إنّ مِنْ ورائكم أيامَ الصبر للـْـمـُــتــَـمَـسِّــكِ فيهـِـن يومئذٍ بما أنتم عليه أجْرُ خمسين منكم"، قالوا: "يا نـَـبـِـيَّ الله... أوْ مِـنـْـهُــم؟"، قال: "بــَــلْ مـِـنـْـكــُـم".

أشـْــهَــى إلى الـمـُــضْـــنــَى الـْـعَــلِــيْــل ِ مـِـنَ الـشـِّــفا و ألـَذ ُّ فـِـيْ العَـيْــنـَــيْــن مِـنْ غــَـمْض ِ الـْـوَسَـنْ

فـصبرا ً و مُصابرة، و فرارا ً إلى الله، "و استعينوا بالصبر و الصلاة"، و افزعوا إلى بيوت الله، معَ "رجال ٌ لا تــُــلـْـهـِـيْـهــِـمْ تجارة ٌ و لا بـَـيْـعٌ عن ذِكــْـرِ الله". خير الدنيا و الآخرة مُرتبـِـط ٌ بـبـيـت الله، أحبِّ البـِـقاع ِ إلى الله.

أرواحــُـــنـــا تـَـــتـَــلاقــَـــى فـيـه خــَــافِــقــَــــــــــة ً كـالـــنــَّــحْـــل ِ إذ ْ يـَـتــَــلاقــَـى فـِـيْ خـَـلايـَـــاه

تــِــلــْــكَ الـْــبـِــقــَــاع ُ فـَــلا تــَــبْـــغِــيْ بـِـهـا بَــدلا فـــمــــا سِــواهـــــا وَبــِــيٌّ مـُــنـْـتِــــنٌ وَخـــِـــمُ
--------------------------------------------------------

أيـُّـها الـْــجــِــيْــل،

مِــنْ أحْــلـَــكِ السَّـــاعــاتِ يـَـنـْـبـَـلــِــجُ الــسَّـــنـــــا و لـَـرُبَّ خــَـيْــرٍ جــَـاءَ مــِــنْ قــَــلــْـبِ الأذى

لإنْ عَــاثَ الـْـعَــدُوُّ و أفـْــسَــدْ، و حَـصَــدَ الأخـْــضَــرَ و الـْــيَــابــِـسْ، و أهـْــلــَـكَ الحَرْثَ و النــَّــسْــل،

فـــالــْـــوَرْدُ يــَــبْـــقـــَــى وَسَطـَ الشـَّـــوك
و الـْــمَــعْـــدِنُ يَــلــْـــمَــعُ بــِـلـَــمْــس ِ الــنــَّـــار
و الـْــمَــخــَــاضُ قـَـبْــل الـْــوِلادَة

"أمْ حَـسِــبْــتــُـمْ أنْ تــَــدْخــُــلــُــوا الــْـجَــنــَّـــة َ و لـَـمَّــا يـأتـِــكــُـمْ مـَـثــَـلُ الذين خـَـلــَـوْ مِــنْ قــَـبــلـِـكــم"

"فلا تـَـهــِــنــُـوا و لا تــَـحْـزَنــُـوا و أنـْــتـُــمُ الأعـْــلــَـونَ إنْ كـنـتـم مُـؤمـِـنـِـيْـن"

و التاريخُ مَعَ ذا واعِـظ ٌ أمِـيْــن...

دَخـَـلَ الصليبيـّون بيتَ المَـقـْـدِس ِ فارتكبوا مالا ترتكِـبُ أكثرَ منه الشياطين، قــَــتـَـلوا الأئمـَّـة َ و العلماء و المجاوِرِين، و عـطـَّـلـُـوا الجُمْعَة َ و الجماعة لـِ (واحدٍ و تسعين)، و ظـَـنَّ اليائسون أنْ لا عَوْدَة َ له إلى حظيرة المسلمين. و يولـَـدُ مُحـَـرِّرُ الـْـقــُـدْس ِ بعدَ احتلاله بـِ (تسع ٍ و ثلاثين)، و لما بَـلــَـغ َ الأربعين مِنْ عُمُرِهِ دَخـَـلَ المسلمون بقيادته بيتَ المَـقـْـدِس ِ فاتحين، و جاء الحقُّ و بَطـَـلــَـتِ الأباطيل، و أ َذ َّنَ الـْــمُـؤ َذ ِّنــُـون و خـَرِسَ الــْـقِـسِّـيْسُون.

"فــَـقـُـطِــعَ دابـِـرُ القوم الذين ظلموا و الحمد لله ربِّ العالمين"

و ما هيَ مِـنَ الـْـيَــهُــودِ الظالمينَ الـْـيَــوْمَ بــِـبـَـعِــيْـد.

الأيَّامُ دُوَلْ، و يَوْمٌ عـَـلــَـيْـنــَـا و يَوْمٌ لنا، و العِـبْرة ُ بالنهايةِ و النهاية ُ لنا، و إن ِ اسْـتـَــأسَـدَ ثــَـعْــلــبٌ أوِ اسْــتــَـنـْــسَــرَ بُــغــَـاث.

فــَـالـْـفــَـجْــرُ مِــنْ رَحِــم ِ الـظـَّــلام ِ سَــيُــوْلــَـدُ

و يصحو من نام، و يَـنهضُ من كــَـبَــا، و يتحقق وعْـدُ الله: "و يومئذٍ يفرحُ المؤمنون بنصرِ الله".

فـَـبـِــنــَـاؤنــَا بــــاق ٍ و إنْ طــَـافــَـتْ بـِــهِ رِيْـــحٌ و أجْــلــَــبَ حـَـــوْلـــَـهُ الـتـِّــنــِّــيْـــنُ
لــَـوْ دامَ ظــُــلـْــمٌ فـِـيْ الـْـحَــيَــاةِ لـِـظـَـالِـم ٍ لأقــَـامَ فــَـوْقَ صـُــرُوْحــِــهِ فـِــرْعــَــــــونُ
لكِـنــَّــهــا حِــقــَـبٌ قِــصَــارٌ تــَـنــْـمَــحِــيْ و يـُــطــِـــلُّ فــَـجْـــرٌ بـَــاسِــمٌ و يــَـبــِـيـْـــنُ
فـجـُـذورُنــَـا أ ُحُـدٌ و بَدْرُ و خــَـــــيْــبَـــــرٌ و الفـَـتحُ يَعْـلـُـو شــَـامِــخـا ً و حُــنــَــيْـــــنُ
و بــَــشــَــائــِــرُ الإسْـراءِ فـَـوْقَ رُؤوسِـنـا تـَمْــضِــيْ بــِـنـَـا و الـْـوَعـْـدُ و الــتـَّـمْــكينُ

نحْنُ الذيـْـنَ رُؤوْسُهُــمْ لا تـَـنــْـحَـــنِــــــي إلا لـِــخــَــالـِـــقــِــهَـــا و لا تـَسْــتــَـسْــلـِـــمُ

لا تــقــُــولـوا حارسُ الثــَّـغـْــرِ رَقــَــدْ،
لا تــقــُــولـوا عـَـقِــمَـتْ أ ُمـَّــتــُـنــَـا و اسْـتـَـنـْـسَـرَتْ فيها بُغـَـاثُ الطـَّـيرِ و الـْـعـَـزْمُ خـَـمَــدْ،
أنا لا أ ُنـْـكِــرُ أنّ البَغـْيَ في الدنيا ظـَهـَـرَ، و الضَّـمـِـيْرَ الحَيَّ في دوَّامَةِ الـْـعَـصْرِ انـْـصَــهَـرْ. غيرَ أنـِّيْ لم أزَلْ أحلفُ باللهِ الأحَد،
أنَّ نصرَ الله آتٍ و عَـدُوَّ اللهِ لنْ يَــلـْــقــَـى مِــنَ اللهِ السَّــنــَـد،
لـنْ يــنــَـالَ الــْـمُــعْـــتــَــدِيْ ما يـَـبْــتــَـغـِـيْ في القــُـدْس ِ ما دام لنا فيها وَلــَـد.

لا ينقصنا عَـدَد، لو بَصَقَ كلُّ مسلم ٍ بَصْـقــَـة ً لأغـْـرَقــْـنا يَهُودَ العالــَـم. يَــنقصُــنــا الإيمان، أنْ نكونَ مع الله ليكونَ معنا.

فـَــأرْسِـــلْ شــُـعْـــلــَــة َ الإيْــمَــان ِ شـَمْــسا و صُـــغ ْ مِـنْ ذ َرَّةٍ جَــبـــَــلا ً حـَـصـِــــيْـنا
و كــُــنْ فِــيْ قـِــمَّــةِ الطـُّوفـــان ِ مـَـوْجـــــا و مُــزْنـــا ً تــُــمْــطِــرُ الـْـغـَـيْــثَ الـْهـَـتـُونا
فأنتَ العِطرُ في رَوْض المَعالي وأنتَ نسيْمُه فاحْـمِـلْ شـَـذاهُ و لا تـَحْمِل غـُبَارَ اليائسينـــا

--------------------------------------------------------

أيـُّـها الـْــجــِــيْــل،

مــَــا جـَــرَّدَ الــصَّــمْــصـَــامَ ذو هِــمَّـــةٍ عِــنــْـدَ اعْــوِجَـــاجَ الأمْــرِ إلا اسـْـتـَـقـــام

هذه وصِـيَّـة ُ مَــلِــكٍ يُـؤ ْثــُـرُ السِّــلـْـمَ على الحرب لولده يقولُ فيها: "يا بُـنـَيّ، مَنْ رَغِبَ فيْ السِّــلــْـم اسـْــتــَـعـدَّ للحرب".

نعم، إنّ أفضلَ ضمان ٍ لِـرَدْع ِ المُعتدي إيحاءاتُ القوّة، و قد أيـَّـدَ الإسلامُ ذلك بقوله: "و أعِدُّوا لهم ما استطعتم مِنْ قوّة"، و إنْ طالـَتْ المُـدَّة ُ في إعداد الـْـعـُــدَّة. لنقطعَ الطريقَ على مُـتـَـهَـوِّرٍ ناقص ٍ في عِلـْم ٍ أو قاصر ٍ في تجرِبَة، و نــُـرْهبَ عَـدُوَّ الأمَة.

ما شَمـَّـرَ اللــَّــيْــلُ عـَـنْ ساقــَـيْــهِ مُنـْهزِما حتى رأى الصُّـبْحَ مِثلَ السَّيـْفِ مُخـْـتـَرَطا

و الأ ُسْــدُ إنْ أخـْــلــَـتْ عَــرِيْــنَ الـْـحِـمَـى أضـْـحـَــى بــِـهـا الـثــَّــعْــلـَـبُ يَــسْـتـَـأسِـدُ

إنّ ضَـيْـما ً يعلو و لا يَـشمئزّ له ضمير، و لا تثورُ له نخوة، حرِيٌّ أنْ يَـطـَـأ بمَسِـيْـسِهِ الأنوف. و ليس بعد ذلك مِنْ بأس أنْ يُـقالَ كما قالتْ أمُّ عبدالله لابنها لما سقطت قــُـرْطــُـبــَــة ُ فبكى:

ابـْـكِ مـثـْـلَ الـنـِّـسَــاءِ مُلــْـكــا ً مُـضَــاعـا ً لـَمْ تــُـحَـــافِـــظ ْ عَــلــَـيْــهِ مِــثــْــل الرِّجَال

--------------------------------------------------------

أيـُّـها الـْــجــِــيْــل،

كـَمْ مـَـيِّــتٍ بـَـعَــث َ الدُّنـْـيَــا و عاشَ بـِهَـا مـــا كــُـلُّ مَنْ ضـَــمَّـــهُ قــَبـْـرٌ بـِمَـلـْحُــــودِ
و خــَـامـِـل ٍ مــا لآثــَــارِ الـحـيــــــاةِ بــــه سِــوى وُرُودِ اسْــمِــه بــَـيْـــنَ الـْـمَــوَالــِــيْــدِ

كـُـلُّ صورة من صُوَرِ خدمة الدين داخلة ٌ أصالة ً أو تبعا ً في معنى الجهاد في سبيل الله. فعلى كلِّ ذي ولايةٍ أو صاحبِ قلم ٍ أو لسان ٍ أو مال ٍ أن يُسَخـِّـرَ طاقــتـَـه في مُـناصرة دينه و قضايا أمّـتِه.

تـبـًّا لِـمَنْ يرى أخاه محاصرا ً يكادُ يَهـْـلــِــكُ و هو يستطيعُ رفـْـدَهُ فلا يَـمُــدُّ له يدا ً!

إذا شـَـبَّــتِ النــَّــارُ في الدَّار فالغـَـفــْــلــة ُ عنها عَــارْ

مــتــى تــســتــيــقـظــونَ فـقـد رَمــاكــُـم بــِـأقـْــصَــى مــا لــديـه الـثــُّــعْــلـُـبــــــانُ
أعَـاديــكـُـم بــِـذ ُلــِّــكــُـمُ اسـْـتــَـطــَـالــُـوا عــلــى إخـْـــوانــِــكــُـم و به اسـْـتــَـعانـــوا
فلا عـَــجَــبٌ إذا احــْــتـَــرَقــَـتْ بـِـيُــوتٌ و سَـالَ عَــلــَـى الـرَّصِــيْـفِ الأ ُرْجـُـــوان

إنّ على كل مسلم ٍ تـَـبـِـعَـة ً و مسؤولية أنْ يـَبـْــذ ُلَ ما في وُسْعِه، بماله، بلسانه، بقلبه، يَـشـْـحَـذ ُ هِـمَّــة، يُـحَــرِّكُ عَــزِيْــمَة، يَـســْــتــَـنــْـصِــرُ مَــوْلاه، و إنْ لا يـَـكـُـنْ... فــَـلــْـيـَـتــَـعَــفــَّــفْ عمَّا لا ضرورة له.

لا يـُـعِــيْـنُ المُسلمُ الصَّــادِقُ أعْـــداهُ عليه..
قاطِعوا منْ باعكــُم و اختارَ مَـنْ يـَـقــْـتــُـلــُـكــُـم و تــَـوَلا َّه و ثــَـابـَـه..
قاطِعوا كـُـلَّ الـْـعِــبَـاراتِ التي علــَّـبـَـهــا إعلامُهُم و الـْـتــَـهَــمْـناها كما نـَـلـْـتــَـهـِـمُ الـْـوَجـْـبَــات... غشـُّونا و سَـمُّـوها سريعة..
قاطِعوهم... كـُـلُّ طفل ٍ قتلوه، أو جريح ٍ جرحوه هو خصمٌ لكـُـمُ يوم اللــِّــقاء..
أنـتـُـمُ آزرتـُمُ مَنْ جـَـنــَّــدَ الجـُـنــْـدَ و من قـدَّم للخصْم ِ المَــدَافـِــع..
قاطِــعوهم... إنــَّــما الحُـرُّ المُـقــاطِــع..
وسيبقى الـْـعَــبْــدُ عَــبْــدَ الـْـبَــطـْــن ِ و الشـَّــهْــوةِ خانِــع..

إنّ أعداءَنا تحت أيِّ شعارٍ إنما يُحاربون الإسلامَ نفسَه، و لن يرضوا في حال الاستجابة لضغوطِـهـِـم بغيرِ الـْـكــُـفــْـر. هذا قولُ الله:
"ولن ترضى عنك اليهودُ و لا النصارى حتى تـَـتــَّــبــِـعَ مِــلــَّــتــَـهُـم"... و منْ أصدقُ من الله؟!

فـافـقـهـيــها أمَّــتـي و الـقـولَ و الفـِـعْــلَ ارفعي ثــُـمَّ اصْـدَعِــي...
ألــْـــفُ كــَــلا ّ ثــُـمَّ كــَــلا َّ..
صَــرْخـَـة ُ المسلم ِ مِـنْ نـَـجْــدٍ إلـى تــَـطــْـوانَ غـَـرْبـا ً، فــَـبُخـارى و سُـفـُـوحُ الصِّــيـْـن ِ شـَـرقـا ً، فـالـْـمُــكـَـلا ّ..
ألــْـــفُ كــَــلا ّ ثــُـمَّ كــَــلا َّ..
كـُـلُّ حـَــلٍّ لـيــسَ فــيْ الــْـقــُـرآن ِ و الـسـُّـــنــَّـــةِ لا نــَـرْضــاهُ حــلا ًّ..

--------------------------------------------------------

أيـُّـها الـْــجــِــيْــل،

شــُــعُــورا ً بالجَسَدِ الواحد، مـنْ لم يَهـْـتــَـمَّ به فليس منه.

نحْــنُ مـَــهْــمَــا جَـارَتِ الأحْــدَاثُ جـِـسْـــــــــــمٌ صـَــــــامِــدٌ لا تــَـعْــرِفُ الأرْضُ قـــُــعُــــــــودَه
لــُــحْـــمــة ٌ شــامـِـخــة ٌ تـَـرْتـَـدُّ عـَـنـْـهَــــــــــــا عاصِـفــَـاتُ المَــوْج ِ و الرِّيــْــح ِ الـــشــَّــدِيــْــدَة

إذا ألــَــمَّــتْ بـِـتـُـرْكـُـسْــتــَـانَ نــازِلــَـــــــــــــــة ٌ باتــَــتْ لها راسـِـيـَـاتُ الــشــَّـــام ِ تـضـْـطـَّـرِبُ
وإنْ دعـــا فـِــيْ ثــَـرَى الإيـْــغــُـــــــوْرِ ذو ألــَـم ٍ أجــَـابـَــــهُ فـِــيْ ذ ُرَى فــارانَ مــُــنـْــتــَــحِـــبُ

أمَّــــة ٌ واحِــدَة ٌ مـَــهْـــمـَــا تـــَـنــَــــــــــــــــاءَتْ أرْضـُــهَـــا تــَـجْــمَـــعـُــهـَــا رُوْحُ الـْــعَــقـِــيْــدَة

--------------------------------------------------------

أيـُّـها الـْــجــِــيْــل،

فـِـرَّ إلى الله بالطاعة مع أهل الطاعة في بيئة الطاعة.

"و اصبر نفسَـك مع الذين يدعونَ ربَّـهـُـم بالغـَـدَاةِ و الـعـَـشـِـيِّ يـُريدون وجهَـه"

اصبـِـرْ معَ الْـقــَــوم ِ نــَــفـْـسا ً و الـْـتـَــزِمْ أدَبــــا ً لا تــَـعْـــدُ عَيْـنــَـاكَ عنهـمْ لا يُصِـبْـكَ عـَـمَـى

--------------------------------------------------------

أيـُّـها الـْــجــِــيْــل،

و أيــَّـــامَ الـْـــــحَــدَاثــَــةِ فــاغـْــتــَــنِــمْــهــــــــــا ألا إنَّ الـــــــــــحَـــــدَاثــَـة َ لا تـَـــــــــــــــــدُومُ

إصْـبــِـرْ و صابـِـرْ، و اعملْ عملا ً تـَـزدانُ به صحيفة ُ كـَـسْــبــِـك، و إلا فــوُجـُـودُكَ عَــدَمْ و عُــقـْـبَــاكَ نــَـدَمْ.

"إنْ لــَـمْ تــَـزِدْ شــَـيْـــئا ً عَــلــى الدُّنــْــيـَــا كـُــنـْـتَ عـَــلــَـيْــها زائِــدا"

فـالــمَــرْؤ و السَّـــيْــفُ مــا لــَـمْ يـُــبْــدِيَـــا أثــَـرا ً حــَــــيُّ كــَـمَــيْـــتٍ و مَــسْــلــُـولٌ كـَمَغـْمُودِ

--------------------------------------------------------

أيـُّـها الـْــجــِــيْــل،

لا صـَـاحـَـبـَـتـْــنـِــيْ يـَـدٌ لــَـمْ تــُـغــْـن ِ ألـْـفَ يَـــدٍ و لــَـمْ تــَـرُدَّ الـْــقــَــنــَــا حُــمـْـرَ الـْـخـَـيَــاشِــيـْــم ِ

إنّ الصبرَ على صعودِ الآكام و هبوطِ الغيطان في ابتغاءِ الرزق ِ الحلال على مشقــَّــتـِـهِ خــَـيْــرٌ و ألــّـذ ُّ مِنَ الـْـقــُـعُــودِ بين الحيطان و أكـْــرَمُ من سؤال ِ بني الإنسان.

كـُـدَّ كــَـدَّ الـْـعَـبْـدِ إنْ آثرْتَ أنْ تـُصْـبـِحَ حـُـــــــرًّا لا تـقـُـلْ ذا مكـْسَـبٌ يُـزْرِيْ.. سُـؤالُ الناس ِ أزْرَى

--------------------------------------------------------


أيـُّـها الـْــجــِــيْــل،

الصبرُ ضياء، و سلاحُ المؤمن ِ الدُّعاء.

إذا حـَـلَّ بـِـكَ الأمْــرُ فــَــكــُـــــــنْ بالله لـــــــوَّاذا ً و إلا فــاتـَـكَ الأجـْـــــرُ فــَـلا هــذا و لا هــــذا

--------------------------------------------------------

أيـُّـها الـْــجــِــيْــل،

إحْــذ َرِ الأقــْــفــَــاصَ لا تــَـسْـــتــَـجْــمِـــــــــــل ِ قــَــفـَـــصـــا ً يـَــوْمــا ً و لــَـوْ مِــنْ ذهــَـــبِ

الــصـَّــقــْـرُ لا يَــهْــدأ في الأوكــار و لا يُــحــاكِـيْ الصـَّـعْـوَ و الحُــبَــار

إنْ حـَـــكـــى الصَّــعْـــوَة َ صـــقــْــرٌ كـــاسـِـــــرُ فــَــهْـــــــــوَ كـــالــصَّـــعْـــوَةِ واهٍ خــَــائـِــرُ

الحُــرِّيــَّـــة َ الحُــرِّ يــَّـــة، صَــبْــرا ً و مُـصَـابَـرَة،

أعـِـــدَنْ رَوْنـــَــقـــَــهــا إنْ لــَـمْ يَـــكــُـــــــــــــــنْ وابـِــلا ً يــــا أيُّــــهــــا الــْـجــِــيْـــلُ فـَـطـــَــلّ

والحرية الحقــَّــة في تمام العبودية و الحُبِّ و التــَّــعظيم لرَبِّ البـَـرِيــَّــة.

مـَـنْ يــُــضِــئ ْ فـِــيْ قــَـلـْــبــِـهِ إيــمــــــــــــانــُـهُ فـَـــهـُــوَ حـُـــــــــــرٌّ و بــِــمَـــوْلاهُ عــَــلــِـــيُّ

يـُــمْــسِــكُ الـــدُّنــــــــــــــيـــا و لا تــُــمْــسِــكــُـهُ يـَـــمْـــــــــلـِــكُ الأرضَ و لا تـــَــمْـــلـِـــكـُــهُ

و في ظـِـلِّ الحَـيْـدَةِ عن هذا المفهوم تذوب الطاقة و تنمحي، و تـَـعُــمُّ الـفــُـسُولــَـة ُ و تـَـسْري، و تنعدم الثقة، و تسقط الهـِـمَّــة. فإذا ما جــَــدَّ الـْـجـِـدّ، لم تجـِـدْ سِوى قـِـنٍّ مـَـفـْـلــُــول الحَـدِّ، لأنه رُبــَّيَ تربية َ الـْـعَـبْد، فلا يجدُ نفسَه إلا في القيد، و القيد في روحه قبل الرِّجل و الـْـيـَـد. تــُـطــْـلـِـقــُـه لـلـْـكـَـرِّ فـَـيــَــفـِـرُّ لأبواب الحظيرةِ مُـتـَـضَـرِّعا ً لحُرَّاسها أن يفتحوا له الباب، يُصْــفــَـعُ و يُــلــْـقــى خارج َ الأعتابِ فيعودُ مُزاحما ً على الأبواب، قـَـدْ ألـِـفَ الهوانَ و التــَّـباب!

كـَــعــَـوْسـَــجـَــةٍ جـَــذ َّرَتــْـهــــــــا الرِّيــــــــــاحْ كــَـسَـــــــــــــــــادِسَـــةٍ فـَـوْقَ كــَـفٍّ أ َشـَـلّ
و تــَــحْـــتَ نـِــعـَــال ِ الأعــادِيْ قــُــبَـــلْ

أدركَ "عنترة ُ" ذلك قديما لما قيل له: "كـُـرّ"، قال: "إنّ العبدَ لا يُحسِـنُ الكـَـرّ و الـفــَـرّ، و لكنه يُـحْــسِـنُ الـْـحَــلـْـبَ و الصـَّــرّ". فـَـهـِـمَ ولـِــيُّــهُ الدرس فقال: "كـُـرَّ، و أنتَ حُـرّ"، فكان كرَّارا ً لا يَـفِــرّ.

إذا هـِـجْــتــَـهُ هِـــجْـــت َ لــَـيْـــث َ الشـَّـــــــــــرى فـــَــهَـــاجـَـــتْ عــلـــى إثــْــرِهِ مـَـسْــبـَـعَــة

لا تــُــسْـــقـِــنـِــيْ مـَــاءَ الــْــحَـــيـَــاةِ بــِـذِلــَّــــــةٍ بلْ فاسقـِـنِـيْ بالـْــعِــزِّ كــَــأ ْسَ الـْحَـنـْظـَــل ِ

هــذا "قــُـطــُـزْ"،

إسْــتــَـرَقــَّــهُ الـتــَّــتــَـارُ و بـِـيْــعَ بثمن ٍ بـَـخـْـس، و بـِـعُــمْــق ِ إيمانِه و تضحيـتـِه و عُبوديته وَهـَـبَ المسلمين الحـُـرِّيــَّــة َ الـْـحَــقـِـيـْــقـِــيَّــة، فكانت نـِـهَــأيـَـة ُ الـتــَّــتــارِ الذين استـَـرَقــُّوهُ على يديه بالجــِـهــاد، إذ دمَّــرَ في (عين ِ جالوتَ) جـميعَ جيشِـهــِـمْ و أبــَـادْ.

مــَـنْ يُـسَـمّى الــحـُــرَّ مِـنْ بين الصُّـقــــــــــــــور لا يـُـطـِــيـْــقُ الأسْــرَ منْ بـَـيْــن ِ الــطـُّــيـور

وبالمُـقـابـل، فإنّ "المُستعصم بالله" آخرَ ملوكِ بني العـبَّـاس وهو في الذ ُّؤابــةِ مِنَ النـَّـسَــبْ، كان عبـْــدَ الفـِـعْــل ِ في الحقيقة. قــرَّبَ "ابـْـنَ الـْعـَـلـْـقـَـمِـيّ" و ترك الجهاد، و رضي بالذل بمشورة الرافضيّ، فما أحسن َ الدِّفاع َعن مـُــلــْـكـِــه، و ما أحسنَ الموتَ في كرامـَـة. سـلـَّـمَ بغدادَ للـتـَّـتـار، و سلـَّـم نفسَـه للجـَـزَّار، لـيـُـقــْــتــَـلَ رفسا ً بالأقـْـدام إمْـعـَــانــا ً في الإهانة و الإذلال.

و لا غــَـرْو...

فـَـمــنْ صـَـحِــبَ الـْـغـِــرْبــَـانَ لا بُـدَّ أنْ تـَـــــرَى عــلـــى رُغــْــمِــــهِ لـَحْــمَ الحِـمَـارِ له طعْما

و الــنــَّــصْــرُ لــَمْ يُــحْــرَزْ بــِـأشــْــبَــاهِ الرِّجــال ِ و لا الــْـعَــبــِـــيْــد

و لنْ تـتـحـَـطـَّـمَ سلاسلُ الــرِّق و أصْــفــادُ الــذ ُّلِّ و الصَّــغــَـار إلا بـِـطــَــعْــم ِ الإيمان و الصَّــبْــرِ و اليــَــقـِــيْــن.

و الــصــَّــبْــرُ مــُــرٌّ لا يــَـتــَـجَــرَّعــُـهُ إلا حــُـرّ
و إنَّ الـْــحـُــلـْــوَ حـِــيْـــنَ يـَــضـُــرُّ مــُـرّ

يا أيُّها الشاهينُ عـُـشـُّـكَ لـَـيْـسَ في قـَصْرِ الملــوك لـو كـُـنـْـتَ شاهينَ الجبال ِ حقيقة ً ما رَوَّضُوك

فارجـِـعْ لنفـْـسِـك،

لا تـَـقــُـلْ أصْـلـِــيْ و فـَـصْــلِــيْ أبدا... قــِـيْـــمَــة ُ الشـَّــاهين في أخـْــلاقــِــهِ

--------------------------------------------------------

أيـُّـها الـْــجــِــيْــل،

عـــارٌ عـــلـــى الأســَــدِ الـْـغـَـضـَـنـْــفـَــرِ أنْ يَرى ضــَــبـُــعَ الـْــفــَــلاةِ تـُـسَـفـِّـــــهُ الأشـْـبـَـــالَ

"قــُـوا أنــْـفــُـسـَــكــُـم و أهليكم نارا"

كـلٌّ فـِـيْ أسْرته و مجتمعه على ثــَـغـْـر، يا عارَ مَنْ أ ُتـِــيَـتْ أسْرتـُه أو أمَّــتــُـه مِـنْ ثـَـغـْــرٍ يقومُ على حراسته.

لـقـدْ شَـنَّ المنافقون حملة ً شعْـواءَ و حربا ً ضَـرُوسا ًعلى عـَـفــَـافِ النساء، و جعلوا أوَّل هـَمـِّــهــم نزع ُ الحجاب لـِـيـَـهـونَ بعده ما أرادوا من فساد. و ما هُـمْ إلا منْ عرفناهم بالأمس، و إنْ غـيَّــروا خــَـيْــلــَـهُــمْ و الـْـخـَـوَل

فــَــعـَــبْــدُ الـْــخــَــنــَـا نــَـفــْـسُ عـــبْــدِ الـْـخـَـنــَـا و إنْ عـَــصْــرَنَ الــشــَّــكـْــل و اسْـمـا ً حـُـلـَـل

وباءٌ يـُـذكــِّــرُ بقول أبي العلاء:

مـــاخــَــصَّ مِـِـصْــــــــــــــرا ً وَبــا ً وَحْــدَهــــــا بـَـــلْ كــَــانَ فــي كـــُــلِّ أرْض ٍ وَبـــَـــــــــــاء

يَـضـْـبَـحُونَ مِـنْ كـُـلِّ قناة ٍ و وسيلة مُـشـكـِّـكــينَ في مشروعية الحِجاب، مُـنكرين تغطية الوجه نكيرا ً تـَـتــَـوَهَّــمُ منه أن تغطية َ الوجْـهِ فـِـسْـقٌ و كبيرة! بينما حاصُوا حـَـيْصــَــة َ الـْـحُــمُـرِ عـَـن ِ الحديث عن كشف السيقان و الشعر و الصدر و النــَّــحر، و عن الكاسيات العاريات و مَن ِ استحقَّ اللــَّــعــنَ كالنــَّــامِــصَــاتِ و المُـسترجلات.... فـعـِــنـْــدَهُــم:

مــُـــبـــاحٌ أنْ تـــَـرَى فــَــخـِــذا ً و نــَـهْـــــــــــدا ً و يـَــحْـــرُم ُ أنْ تـَــرى وَجـْــهــا ً مَــصُـــونـا

و تـــِــلـْــكَ وُجُـوهٌ أراقَ الــــنــِّـــفـــــــــــــــــــاق مـَــــــــلامـِـــحَـــهــا و أضـــاع َ الأ ُنــُــــوف

و يا لـَـعَـجْــزِ الأخيار معَ جـَـلــَـدِ هؤلاء الفــُــجَّـــار! و "إنــَّــمــا يــَــقــْــوى الـْــبَـــاطِـــلُ بــسُــكــُـوتِ الأبـْــرار".

يا أيُّــهــَـا الأخـْـيَــارُ قــَـدْ نـَـطـَـقَ الرُّوَيـْـبـِـضـَـة ُ الـْـحَــقِـــيْــرُ و لا أراكــُـمْ تـَـنــْــطِــقــُـون!
أعـَــجَــزْتــُـمُ حـَــتــى عــَــن ِ الـشــَّــكـْــوى فـــَــما أد ْرِيْ بـِـأيِّ مـُـصِــيْــبَــةٍ تـَـتـَـألـَّـمُـون؟!

واقِـعُـنا يحتاجُ لمراجعةٍ و تصحيح، إنْ كـُـنـّا نريد أنْ نـُـعطي اليهود و النصارى و المنافقين صورة ً مُـتسامِـحة ً عن ديننا – كـَـمَـا يَـزعُـمُ بعضُ مـُـنـْـهَــزِمـِــيـْــنا – فواللهِ لنْ يَـرْضـَـوا عـنا حـتى نــَـكـْـفــُـرَ كـمـا كــَـفــَـرُوا.

و مقــتـلُ "مــَــرْوة َ" في (ألمانيا) بسبب حِجابها شاهِدٌ حَيّ مِــنْ شــَــواهـِــد.

فــَــالـْـحِــقـْــدُ فــِـي أهــْــل ِ الــصَّــلــِــيْــبِ يــَـلــُـوحُ
ذ ُبــِــحَــتْ بـِــلا ذنــْــبٍ سِــوى إسْـــلامـــِــهــــــا فــَــحِـــجـــَــابـــُــها يــا قــَـومَــنا المذبـــــوح

فـلــِـمَ نــُـعـْــطــِــيْ الــدَّنــِـــيَّــة َ في ديــْــنِــنــَـا و نــَـحْــنُ قومٌ أعـَـزَّنــا الله بديننا.

أيْ وَرَثــَـة َ الأنــْـبــيــاء، عــُـلــمــاءَنـــا الأبـْــرار،

هـــذي مـــآقـــِــيْ أ ُمَّــتـِــيْ تــَـرْنــُـوا لـَـكــُــــــــمْ و تــَــكــَـــادُ مِــنْ دَمْــــع ِ الـْـمَــواجـِـع ِ تــَـغـْـرَقُ

دفاعا ً عن عفاف المُسْـلـِـمات كدفاعِكم عن أقــْـدَس المُـقــَـدَّسات. بــِـقــُـوَّتــِــكــُـم يـَـقــْـوَى الناس، و بـدونها – لا كان – يـقـْـتــَـدِي الناسّ و يـتـَبـَـلـَّـدِ الإحساس، و يـَـظــْــفــَـرُ الـْـخـَـنــَّــاسُ و الــنـِّـسْـنـاس بـِـظــَـبـْـيــَةِ الـْـكـِــنـَـاس.

مَـنْ غــَـيْـرُكـُم لــلـْـجــيــل ِ يـَـهــْــديه للســَّــبـِــيْــل ِ، يقول "ابْــنُ الوزيرِ" و وارِثُ الـْـبـَــشـِــيْــرِ:

"مَنْ ترَكَ الذ َّبَّ عنِ ِ الـْـحَــقّ خوفا ً مِنَ الـْـخـَـلـْـق أضاع َ كـَـثـِـيْـرا ً و خــَـافَ حـَـقـِــيْـرا ً"

و فـِـي الصـَّــابِ شـَــهْــدٌ و فـِـيْ الــشــَّــهْــدِ صــَـابْ و فـِـيْ الـْــبَـــان ِ مـَــاءٌ و مـِــنـْــه اصـْـطـَـلـَـيْـت
و قــَـدْ يــَــكـْــمُــنُ الشــَّــرُّ فــِــيْــما ارتضيْـــــــــــت و قــَـدْ يــَــكـْـــمُـــنُ الــْـخــَــيـْــرُ فـِـيْـما قــَلـَـيْـت

--------------------------------------------------------

أيـُّـها الـْــجــِــيْــل،

تــَــصَـــبَّــــرْ إذا مـا الأمـْـرُ صَــعْــبٌ فـإنــَّـمـــــــا يــُــلاقِــيْ نـَــجَــاحــا ً مَـــنْ يــَـكـُــونُ صـَـبُــورا

أ ُشـْـكُ بـَــثــَّــكَ و حُــزْنــَـكَ إلى الله، و تــَـصَــبَّــرْ "و مَنْ يـَـتــَـصَــبَّــرْ يـُـصَــبِّــرْهُ الله"

فــإنْ ضـَــيَّــــقـْـــتَ أمْــرا ً زادَ ضـِــيـْــقـــــــــــا ً و إنْ هــــَـــوَّنــْـــتَ مــــا قــَـد ْ عـَــــــزَّ هــــانَ
فــَـــلا تــَــهْـــلـِـــكْ لــشـَـيءٍ فـــَــاتَ حــُـــــــزْنا ً فــَـكــَـمْ أمـْــــرٍ تــَــــــــــــــصَــعَّــــبَ ثــُـمَّ لانَ

و مــَـــنْ ضــَـــاقَ ذ َرْعـــا ً بــِـالحــيــاةِ فـإنـَّــهـــا تـَـضِـــيْــقُ به و هُــوَ الـْــكـَــلـِــيْـمُ الـسَّــمَــيْــدَع ُ

--------------------------------------------------------

وبــعــدُ.... أيـُّـها الـْــجــِــيْــل،

تــِـلـْــكـُــم صافـِــنـَــاتٌ جـِــيَـــاد... مِــنْ صـَــبْـــرِ خــَـيــْـــرِ الـْــعـِـــبـــاد.

و مـــَــنْ يــَــرْبــُــطِ الـــصـَّـــافـِــنــَـاتِ الـْجــِــيـَــادْ فـــَــمـــــا الــنــَّـــفــْــعُ فـِـيها بأنْ تــَـصـْـهـَــــلا
و لــــكـــنْ بــأنْ يـُــعـْـــتــَــلـــى ظـَــهــْــــــــــــرُهـا و يــُــغــْــزَى عــَــلـــَـيـْها بــِــبَــطـْـن ِ الـْـفــَـلاة
تــُـــصـَــبِّـــحُ قــَـوْمـــا ً عـلـى غِـــــــــــــــــــــــرَّةٍ و قــَـــوما ً تــُــبَـــاشِـــرُهــُـمْ فـِــيْ الـْــمَـــســــا

--------------------------------------------------------

و خـُـلاصة ُ القول معشرَ الإخـْــوة:

"لــَـقـــَـــد ْ كان لــَــكــُــمْ فـِـيْ رَسُــول ِ اللهِ أ ُسْـــوة"

قــَـــسـَــــمــا ً بــِـرَبِّ الــتــِّــيْــن ِ و الزَّيـْـتــُـــــون ِ و مـُــنــَـزِّ ل ِ الإخــْـلاص و الــْـمـَــاعـُـــــون ِ
قــَـــسـَــــمــا ً بــِـرَبِّ الــْـعـَــادِيــاتِ و بالضـُّـحـى و الــْــكــَــهْــفِ و الإسـْــرا و سُــورَةِ نــــون ِ
إنَّ الــْــخـَـــلائـِـــقَ دُوْنَ هـــَــدْي ِ مـُــحَـــمَّــــــــدٍ عُـمْـــيٌ كـَـعـَــيِــْـــن ٍ مـَـــالــَـهَــا مـِـنْ نــُــون ِ

فـــخــُــذِيْ يـــا أ ُمَّـــة َ الإيْـــمَـــان ِ كــَـــــنــْــزا ً و امْـــنــَـحـِــيْ مـِــنــْـه عـِــرَاقــا ً و شـــَــآما
و امـْـــنــَــحِـــيْ مــِــنــْــهُ قــَـرِيـْـبــا ً و بـَــعِــيْـدا و انـْــشــُــرِيْ مــِـنـْـهُ على الأرض ِ السَّلاما

--------------------------------------------------------



هــذا ما وَسِــعَــهُ الــوقتُ الضـَّــيِّــقْ، و قــَـدْ ذهـَــبَ الشبابُ الرَّيــِّــقْ، و شــَـاخَ الـْــبـــازِيْ الأشـْـهَـــبْ، و عتادُ الـْــعُــمْــرِ يــُـنــْــهَــبْ. النـَّــشــاط ُ قــَـدْ طــُـوِيَ مـِــنــْــهُ الـْــبـِـسَــاط، و لـَـعــَــلــِّــيْ أسْـرَجـْـتُ الـْـجَــوادَ لــِـرَاكـِــبــِـه، و مـَـهَّــدْتُ الــطــَّــرِيْــقَ لـِـمَـنْ يــَـبـْــنـِـيْ الـْــمَـــنـَــارَ بـِه.

هـــذا هـــــو الـْـــجـــَــــادِيّ... يـَــا زيــْــنــَــة َ الــنــّـــادِي

أ َرِجَ الــْـــكــَـــوْنُ بـــِـرَيــَّــا طـِــيْـــبــِــــــــــــــــهِ و رَوَى عــَـــنْ طِـيـْــبـِه نــَـشــْــرُ الـْخـُــزامَى
و سَـــرى فــيْ الأفــْـــق ِ مــِــنــْـهُ نــَــسْـــمـــــــة ٌ فـشَـمَـمْــنـا شِــيْـــحَ نــَـجْـــدٍ و الـْــبـَــشــَـامـَـى

زانـَــتْ شــَـمْــسُــه الـْــفــَــلـَــكْ، و جــَــلــَـتْ أنـْـوارُهُ الـْـحَــلــَـكْ، و فــَـتــَّـــحَ الأبوابَ و قال: "هـَــيْــتَ لــكْ".

فــاغــْـنـَـمْ رَوْضــَـه، و انـْــصِــبِ الـْـخــَـيْــمَـة، و اضْرِبِ الأوتاد، و اعـْـقـِــدِ الأطــْـنــَــاب، و انــْــشـُـق ِ الأرَج، و ارفع ِ الـْـحَــرَج، و ارتــَـقــِـبِ الــْـفــَــرَج، و تــجــاوز ِ الـلــِّــوا و الــمـُــنـْــعَــرَج، و اعــْــلُ رُبــَــاه، و انـْــعَــمْ بـِـصَــبــَــاه، و اكــْـرَع ْ فِــيْ حـِــيَــاضِـه، و ارْتـَــعْ فــِــيْ رِيَــاضـِـه، و احْـــدُ فـِـيْ غـِــيــَــاضـِــه.

مِــنْ أيــْــنَ يـَـــا رِيـْــحَ الــصّـــبـــا هـذا الــشــَّـــذا إنْ كــَــانَ مِـــنْ حـَــيِّ الـْــحَــبـِـيْــبِ فـَـحَـبَّــذا

و وداعـــا ً فـــــــــــــــوداعـــــا ً و إلــــــــــــــــى مـُـلـْــتــَــقىً إنْ لــَـمْ يـَــحُــلْ مِـــنْ حـَـــائـِــل ِ

يـــا ربِّ أسْـــكــِـــنــَّـــا فــَـسِــيْــحَ جـَـــنــَّـــتـِـــــكْ و النــَّـارَ نــَــجِّــنــَــا مـِــنــْـهَــا بــرَحـْـمـَـتـِــك
و اغــْـــفـِــرْ لــَـنــَـا مـَــا كـانَ مـِـنْ ذنــوبــِــنـــــــا و زيِّــــن ِ الإيـْــمَـــــــــــانَ فــِـيْ قــُــلـُــوبـِــنا
و الـْــحَــمْــدُ للهِ عـَــلــَى الإنـْــعَــــــــــــــــــــــــام ِ بـنِعْــــــمةِ الــتــَّـــوفــيْــــق ِ و الإتـْـــمَـــــــــام ِ
و الأجـــْـــرَ و الإخــْـلاصَ فــِــيْ الأعْـــــــــمَــــال ِ نــَــسْــــألــُــهُ مِــنْ صـَـــاحِـــبِ الأفــْــضـَــــال ِ
فــَــكـُـــلُّ شـَــيءٍ فــَـهْــوَ مـِـنـْهُ و إلــَــيْــــــــــــــــه و الـــخـَــيْــرُ لا نـَــرْجــُــوهُ إلا مِـــنْ يـَــدَيـْــــه
ثــُــمَّ الـــصَّــــلاة ُ و السَّــلامُ الأبـَــــــــــــــــــــــدِيّ عـلى الــنـَّــبــِــيِّ الـهـــَــاشـِـــمِــيْ مــُـــحــَــمَّــدِ
و الآل ِ و الأصْــــــحـــاب ِ أجـْــمــَــعـِــيْــــنــــــــا يـــا رَبِّ و الــْـحِـــقـــْـــنـــَــا بــِـهــِمْ آمـِــيـْــنـــا

يـــا رَبِّ و الــْـحِـــقـــْـــنـــَــا بــِـهــِمْ آمـِــيـْــنـــا

---------------------------------------------------------------------

تمت كتابته و ضبطه في : 18\7\2010م ، الساعة 12:55 فجرا

ولله الحمد والمِـنـَّـة
--------------------------------------------------------------------

سامر محمود الفيومي

هناك تعليقان (2):

محمد عبدالمجيد يقول...

سحبان هذه الامة وبليغها النحرير حفظه الله يأتي لنا في كل محاضرة بالعجب العجاب الفاظ نسمعها لأول مرة منه بارك الله في عمر حبيبي الشيخ علي وجزاء الله خيراً أخي مُفَرِّغ المحاضرة

محمد عبدالمجيد يقول...

ماشاء الله لاقوة الله إلا بالله علي قوة الالفاظ وبيان العبارات وجزالة المعاني رجل من بقية السلف نحسبه انه لم تغيره الدنيا اسأل الله الا يحرمنا من سماع صوته في الدنيا ويجمعنا واياه مع حبيبنا المصطفي في جناتٍ ونهر في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر

الجزيرة نت