الجمعة، 12 يونيو 2009

من القلب

في مطلع الثمانينيات الميلادية انحرفت خارطة الطريق التي تربط العاصمة الرياض بالمشاعر المقدسة عن مسارها الكهل المسمى بخط الحجاز القديم، طريق ضرماء – شقراء - الدوادمي، وفرضت الحاجة إنشاء طريقين مؤديين إلى مكة، أحدهما عن طريق القويعية والثاني طريق القصيم المؤدي إلى المدينة المنورة، وكان الطريق (الهرم) قبلهما هو شريان الحياة لمدينة شقراء، وتناقل الأهالي في تلك الحقبة خبر افتتاح طريق حريملاء - الرياض عبر القصب إلى شقراء بوصفه تعويضاً معنوياً، وكان هذا الخبر نقلة نوعية مفرحة في مخيلتهم بأن شقراء ستكون ممراً كما هي، وأن هذا الشريان الجديد سيغري المسافرين الجدد ويعزز ثقة المحاربين القدامى من سائقي المركبات.


انتشرت الخطوط الفرعية والزراعية المغرية للتسرب لاختصار المسافات إلى مدن ما بعد شقراء، حتى غدت شقراء عجوزاً تبرأ منها أقاربها؛ حيث كنت على وليمة دسمة في مدينة شقراء هذا الأسبوع، التي هجرتها منذ ما يقارب ربع قرن؛ لارتباطي بعملي في العاصمة الرياض، وبالكاد أزورها خلال السنة إلا لظرف خاص، رغم حبي لها، وكان الحديث على أطراف صحن (الهرفي) يدور حول صعوبة ومفاجآت طريق شقراء – ضرماء، والإهمال الواضح وعدم الاهتمام به. واختلط هذا النقاش مع انفعالات يتخللها فرقعات لعلب البيبسي كولا والسفن أب؛ ما يثير نظرات استفهام من "الشيبان" المصابين بداء السكري وبعض الشباب المصابين به، ويجعل الفضول يفرض بعض الأسئلة: ماجاك السكر إلى هالحين؟؟؟ وهناك من يكتفي بفتح ماء صحة وانتقاء اللحم الأحمر بعناية؛ تماشيا مع تعليمات الطبيب.. ويتخلل هذا الحديث بعض الوصفات القديمة لداء السكري من المتطببين المجتهدين كشرب ماء الشري (الحدج) ونبتات أخرى لا تقل عنها سمية.. وكان خط سيري يوم الأربعاء قبل حضور وليمة شقراء هو الرياض – القويعية، والمبيت في ضيافة الشيخ سعود بن محمد العريفي من أهل مزعل؛ لأحصل على استحقاقي من كرمه بخليط من تمور مزرعته قبل شهر رمضان الكريم.


وبعد قضاء ليلة ممتعة من "السوالف" الخاصة عما يثيرنا نحن الرجال، لا نملك سوى الخوض فيها، إنه عالم الحريم ووصفهن ومقارنة خصال الجمال في تكوينهن الجسدي والغنج الأنثوي الذي يشبع عجزنا عن التعدد الشرعي، ومن ثم حضور إلزامي للتجمع العائلي ربع السنوي في شقراء عبر طريق لبخة وحويتة شبه الزراعي، ثم انتهت مهمة الحضور الإلزامي العائلي في شقراء، وسلكت طريق شقراء - ضرماء مروراً بمرات وثرمداء ليلة الجمعة بعد منتصف الليل، عبر طريق طفولتي، ونهمي الشره إلى الليالي النيويوركية وصخب المدينة وضجيج البطحاء وشارع الوزير الذي تشبه تصاميمه شوارع لبنان في حينها.. والأهم من ذلك الحصول على آخر إصدار لمجلدات سوبرمان وطرزان وتان تان من ابن خالتي الذي يسبقني في التطور بسنين كثيرة.


هذا الطريق التاريخي هو ما علمني الساندويتشات والقدرة على الشقاوة عندما نتعارك على بقايا أطعمة المسافرين الفارهة المتجهين إلى الطائف على "الكدالك"؛ لقضاء العطلات الصيفية، وهم المسافرون الذين تحولوا إلى صيفيات "كان" و"ماربيا" و"الشانز ليزيه".. وهو ما علمنا أنواع العملات الخليجية والفارسية على طريق الحجاج عندما نتسكع أطفالاً وننبش مخلفات باصاتهم عندما ينتشرون على الأرصفة. هذا العجوز المتطوي عبر سباخ ومنحنيات متعرجة كذكرياته، قطعت منه مسافة تتعدى المائة وعشرين كيلومتراً محفوفة بالحفر والتحويلات المتعددة العتيقة. التحويلات نفسها منذ عشر سنوات أو أكثر تنتقل من بقعة إلى بقعة عبر "ظهرة الأجرب"، بل يبدو أسوأ من ذي قبل.. قفز إلى ذهني صباح الشحرورة وكثافة عمليات التجميل غير المجدية، لا أستطيع أن أتجانس مع أفكاري، ستقطعها تحويلة أو حفرة.. كم أنت مظلوم أيها الشيخ الكبير.


وحينها خطرت بذهني أول سيارة سعودية (غزال) لماذا لم يُختبر تحمُّلها على هذا الخط ومدى تفكك (هرقلة) هيكلها، كذلك إنها فرصة كبيره لشركة (دلة) لإبراء ذمتها عند منح الرخص للنقل الخفيف والثقيل؛ فباستطاعتها أن تؤسس مركزاً لمنح الشهادات في مداخل مدينة "مرات" للناجين ليلاً من هذه المفاجآت. ويُستحسن أن تُرفع القدرة الاستيعابية لمستشفى "مرات" لاستقبال الحوامل في الشهر السابع والثامن والتاسع على السواء، القادمات من الرياض؛ لأن الخط كفيل بأن يرى الجنين الحياة بأسرع طريقة مبتكرة.


لنطلق على هذا الخط رصاصة الرحمة كالخيل الأصيلة، في حفل جماعي لبقايا سواقي العصر الذهبي.

ليست هناك تعليقات:

الجزيرة نت